الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال إذا رأيت هلال شهر كذا حنث إذا رآه غيره إلا أن يكون أراد رؤية نفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال إذا قال : إذا رأيت هلال شهر رمضان فأنت طالق ، فإن رآه جميع الناس طلقت إجماعا ، وإن رآه الناس دونه طلقت عندنا ، وقال أبو حنيفة : لا تطلق متى يراه بنفسه ، لأن تعليق الحنث برؤيته لا يوجب وقوعه برؤية غيره ، كما لو قال : إذا رأيت زيدا فأنت طالق ، فرآه غيره ، لم تطلق ، وهذا فاسد ، لأن الشرع قد قرر أن رؤية غيره للهلال كرؤيته ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته .

                                                                                                                                            ثم عليه أن يصوم ويفطر برؤية غيره ، فوجب أن يكون إطلاق رؤية الشهر محمولا على ما قيده الشرع وليس كذلك ، إذا علقه برؤية زيد ، لأن الشرع ما جعل رؤية الغير له كرؤيته ، فعلى هذا لو قال : أردت رؤية نفسي ، دين فيما بينه وبين الله تعالى ، على ما نوى ، ولم يحنث إلا برؤية نفسه وحنث في ظاهر الحكم برؤية غيره ، فلو رآه وقد أراد رؤية نفسه في نهار آخر يوم من شعبان قبل غروب شمسه ، ففي حنثه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث ، لأنه هلال شهر رمضان وإن تقدمه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وقد أشار إليه الشافعي في الأم ، أنه لا يحنث ، لأن هلال الشهر ما كان مرئيا فيه ، فلو لم ير هلال رمضان في أوله حتى صار قمرا ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يحنث تغليبا للإشارة ، إلا أن يريد حقيقة الاسم .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحنث اعتبارا بحقيقة الاسم إلا أن يريد الإشارة ، واختلفوا متى يصير الهلال قمرا ، فقال قوم : يصير قمرا بعد ثلاث .

                                                                                                                                            وقال آخرون : إذا استدار .

                                                                                                                                            وقال آخرون : إذا بهر ضوؤه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية