الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو ظاهر من أربع نسوة له بكلمة واحدة فقال في كتاب الظهار الجديد وفي الإملاء على مسائل مالك إن عليه في كل واحدة كفارة كما يطلقهن معا بكلمة واحدة وقال في الكتاب القديم ليس عليه إلا كفارة واحدة لأنها يمين ثم رجع إلى الكفارات قال المزني وهذا بقوله أولى " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : لا يخلو ظهاره من الأربعة من أحد أمرين : -

                                                                                                                                            أحدهما : أن يفردهن فيه ويظاهر في كل واحدة منهن بقول منفرد فيلزمه في كل واحدة منهن كفارة لا يختلف فيه المذهب .

                                                                                                                                            والثاني : أن يجمعهن في الظهار بكفارة واحدة فيقول لهن : أنتن علي كظهر أمي ففي الكفارة قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : وبه قال في القديم يجب عليه كفارة واحدة لثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            أحدها : أن لفظة الظهار واحدة فيتعلق بها كفارة واحدة كالمظاهر من واحدة .

                                                                                                                                            والثاني : أن الظهار يلحق بالإيلاء، ومعتبر بالأيمان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمة بن صخر حين ظاهر : كفر عن يمينك ، ثم إنه لو آلى من أربع بيمين واحدة أو جمع بين عدد في يمين واحدة لزمه في الحنث كفارة واحدة، كذلك إذا ظاهر من الأربعة بكلمة واحدة لزمه كفارة واحدة .

                                                                                                                                            والثالث : أنه لما جاز إذا طلق أربعا أن يجمع بينهن في رجعة واحدة كذلك ظهاره من الأربع يجزئ عنه كفارة واحدة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو الأصح قاله في الجديد والإملاء، واختاره المزني وبه قال أبو حنيفة عليه لكل واحدة منهن كفارة، فيلزم في الأربع إن عاد منهن أربع كفارات لثلاثة أشياء :

                                                                                                                                            [ ص: 439 ] أحدها : أنه متظاهر من أربع، فوجب أن يلزمه أربع كفارات كما لو ظاهر منهن منفردات .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما استوى في الطلاق حكم الاجتماع والانفراد في الرجوع والرجعة وجب أن يستوي حكم الظهار في الاجتماع والانفراد ، في وجوب الكفارة : ولأن كفارة الظهار أوجبت تكفيرا لتحريمه ومأثمه فلما تضاعف مأثمه وتحريمه في الاجتماع على الانفراد وجب أن يتضاعف تكفيره ، ومثل هذين القولين في القذف إذا جمع بين عدد بكلمة واحدة فعلى قوله في القديم : يحد لجميعهم حدا واحدا لأن لفظة القذف واحدة وعلى قوله في الجديد : يحد لكل واحد منهم حدا : لأنه مقذوف . والله أعلم .

                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولو تظاهر منها مرارا يريد بكل واحدة ظهارا غير الآخر قبل أن يكفر فعليه بكل تظاهر كفارة كما يكون عليه في كل تطليقة تطليقة ولو قالها متتابعا فقال أردت ظهارا واحدا فهو واحد كما لو تابع بالطلاق كان كطلقة واحدة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : الظهار غير محصور العدد وليس كالطلاق المحصور بثلاث ، فإذا ظاهر من امرأته ثم كرر الظهار مرارا فهذا على ضربين : -

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون متواليا فلا يخلو حاله فيه من ثلاثة أقسام : -

                                                                                                                                            أحدها : أن يريد بالتكرار التأكيد، فيكون ظهارا واحدا تجب فيه كفارة واحدة، فالطلاق إذا كرره تأكيدا كانت طلقة واحدة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يريد به الاستئناف، فيكون بكل لفظة منها مظاهرا فإن تقررت خمس مرات كان ظهاره خمسا ولو كرر الطلاق خمسا لم يكن إلا ثلاثا لما ذكرنا من حصر الطلاق وإن سأل الظهار .

                                                                                                                                            وإذا كان كذلك وقد كرر من ظهارها خمس مرات فمذهب الشافعي وما عليه أكثر أصحابه أنه يكون مظاهرا خمس مرات .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابه الظهار الثاني في زمان عوده من الظهار الأول ولا يكون مظاهرا في وقت العود وكما لا يكون عائدا في وقت الظهار فيصير الثاني عودا والثالث عودا ظهارا ثانيا والرابع عودا في الثاني الذي كان ثالثا والخامس ظهارا ثالثا وهذا الذي قاله خطأ لأن العود بالزمان والظهار بالقول فلم يقع الفرق في مضي زمان العود بين أن يكون فيه ممسكا أو متكلما، ولم يقع الفرق في كلام بين أن يكون ظهارا أو خطابا ، وإذا كان كذلك وصار مظاهرا على مذهب الشافعي وعلى من خالفه من أصحابه ثلاثا ففيما يلزم من الكفارة قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 440 ] أحدهما : وبه قال في القديم : يلزم كفارة واحدة، ويتداخل الكفارات بعضها في بعض كالحدود ، ووجهه أن ما بعد الظهار الأول لم يفد من التحريم غير ما أفاده الأول فلم يوجب من الكفارة غير ما أوجبه الأول .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وبه قال في الجديد، وهو الصحيح، لكل ظهار من ذلك كفارة فيلزمه على مذهب الشافعي رحمه الله خمس كفارات ، وعلى الوجه الآخر ثلاث كفارات ، ووجه ذلك أنه لما ثبت بما بعد الأول كثبوت الأول اقتضى أن يوجب مثل ما أوجبه الأول .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يطلق تكرار ظهاره فلا يريد به تأكيدا ولا استئنافا، فيكون ظهارا واحدا لا يجب فيه إلا كفارة واحدة حملا على التأكيد ، ولو أطلق تكرار الطلاق كان على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون محمولا على التأكيد ولا يلزم إلا طلقة واحدة كالظهار .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يكون محمولا على الاستئناف فيلزمه ثلاث تطليقات بخلاف الظهار ، والفرق بينهما أن الطلاق ينقض الملك، فكان التكرار مؤثرا فيه، والظهار لا ينقض الملك فلم يؤثر التكرار فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية