الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : آخر : فلو قال لزوجته : إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ، فمضى اليوم قبل أن تطلق لم تطلق قاله أبو العباس بن سريج ، تعليلا بأن مضي اليوم شرط في وقوع الطلاق في اليوم فليس يوجد شرط الطلاق ، إلا وقد انقضى محل الطلاق فلم يقع .

                                                                                                                                            وقال أبو حامد الإسفراييني : يقع الطلاق ، لأن شرط الطلاق فواته في اليوم ، وإذا بقي من آخره ما يضيق عن لفظ الطلاق فقد وجد الشرط ، وذلك الزمان لا يضيق عن وقوع الطلاق ، وإن ضاق عن لفظه فوجب أن يقع وهذا فاسد ، وقول أبي العباس أولى ، لأن وقوع الطلاق إذا لم يكن إلا بلفظ الطلاق، وزمان لفظه وزمان وقوعه مثلان ، فإذا ضاق عن أحدهما ضاق عن الآخر .

                                                                                                                                            ولكن لو قال : إن لم أبع عبدي اليوم فأنت طالق اليوم فلم يبعه حتى مضى اليوم ، طلقت وصح فيه تعليل أبي حامد ، لأن زمان البيع أوسع من زمان الطلاق ، لأنه يفتقر إلى بذل البائع وقبول من المشتري ، فإذا ضاق عن اللفظين في البيع وجد الشرط ، وهو لا يضيق عن الطلاق الذي يقع بأحد اللفظين فلذلك وقع ، ولو قال : إن لم أبع عبدي اليوم فأنت طالق اليوم ، فأعتقه طلقت لفوات بيعه بالعتق ، وفي زمان طلاقها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : عقيب عتقه .

                                                                                                                                            والثاني : في آخر اليوم إذا ضاق عن وقت البيع ، لو كان بيعه ممكنا ولكن لو دبر عبده لم تطلق إلا بفوات بيعه ، لأن بيع المدبر جائز وكذلك لو كاتبه ، لأنه قد يجوز أن يفسخ المكاتب كتابته فيجوز بيعه .

                                                                                                                                            قال أبو العباس بن سريج : ولو قال لها : أنت طالق يوم لا أطلقك فإذا مضى يوم لم يطلقها فيه طلقت بالحنث ، ولو قال : أنت طالق يوم لا أدخل دار زيد ، طلقت إذا مضى عليه وقت يمكنه أن يدخل فيه دار زيد ، من ليل أو نهار ، ولم يراع فيه مضي اليوم ، قال : لأن الناس يريدون بمثل هذا الوقت دون اليوم المقدر ، كقوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال [ الأنفال : 16 ] . يريد به الوقت ولا يريد به نهار اليوم ، وهذا التعليل إن صح في قوله : لا أدخل دار زيد فأنت طالق ، صح في [ ص: 292 ] قوله : يوم لا أطلقك فأنت طالق ، وليس الفرق بينهما معنى يصح فإن جعل ذكر اليوم في دخول الدار ، عبارة عن الوقت جعل في وقوع الطلاق عبارة عن الوقت ، وإن لم يجعل في أحدهما لم يجعل في الآخر ، ولكن لو قال : ليلة لا أدخل فيها دار زيد ، فأنت طالق لم تطلق إلا بمضي الليلة لا بدخول داره فيها .

                                                                                                                                            والفرق بين الليلة واليوم ، أن العرف مستعمل بأن الوقت قد يعبر عنه باليوم ولا يعبر عنه بالليلة ، ولو قال : أنت طالق إلى حين أو إلى زمان ، طلقت إذا سكت ، لأنه حين وزمان ووقت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية