الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان أبكم أو أصم يعقل، أو أحمق أو ضعيف البطش ( قال ) في القديم الأخرس لا يجزئ ( قال المزني ) رحمه الله أولى بقوله إنه يجزئ لأن أصله أن ما أضر بالعمل ضررا بينا لم يجز وإن لم يضر كذلك أجزأ ( قال ) والذي يجن ويفيق يجزئ، وإن كان مطبقا لم يجزئ ويجوز المريض لأنه يرجى، والصغير كذلك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : فأما الأصم فيجزئ ؛ لأن الصمم لا يؤثر في العمل، وأما الأخرس فقال الشافعي في الجديد يجزئ، وقال في القديم لا يجزئ فكان المزني يحمل ذلك على اختلاف قولين ، وذهب سائر أصحابنا إلى أنه على اختلاف حالين واختلفوا فيهما على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن قوله في القديم لا يجزئ إذا كان أبكم قد جمع بين الخرس والصم لأنهما نقصان يضر اجتماعهما بالعمل ، وقوله في الجديد أنه يجزئ إذا انفرد بالخرس دون الصم .

                                                                                                                                            والثاني : أن اختلاف حاليهما أن قوله في القديم لا يجزئ محمول على أنه لا يفهم الإشارة في خرسه، وقوله في الجديد يجزئ محمول على أنه يفهم الإشارة في خرسه .

                                                                                                                                            وأما الضعيف البطش لضؤولة جسمه ودقة عظمه، فإن كان ضعف بطشه قد فوت أكثر عمله لم يجزه ، وإن كان قد فوت أقله أجزأه .

                                                                                                                                            وأما المريض فإن كان مرجو البرء أجزأ وإن مات ؛ لأنه قلما يخلو جسم من مرض ، وإن كان مخوفا لم يجزه وإن كان عاش ، وأما علو السن فإن أفضى للهرم وذهاب البطش لم يجزه وإن كان ناهض الحركة ظاهر البطش أجزأه .

                                                                                                                                            فأما الطفل الصغير فيجزئ وإن كان ابن يومه ؛ لأنه متوجه إلى الزيادة والكمال، فأشبه المرض المرجو ، وقد ذكرنا الفرق بينه وبين الغرة في دية الجنين .

                                                                                                                                            وأما الأعرج فإن كان مقصرا في مشيه مؤثرا في حركته لم يجزه، وإن كان بخلافه أجزأه، ويجزئ الأغشم والأخشم، وعتق غير ذي الصناعة وعتق الفاسق وولد الزنا ، وقال الزهري والأوزاعي لا يجزئ عتق ولد الزنا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ولد الزنا شر الثلاثة [ ص: 495 ] وهذا مذهب فاسد ؛ لأن المقصود في عتق الكفارة سلامة الدين والعمل ، وليس ولادته من ريبة مؤثرا في أحدهما فلم يمنع الإجزاء .

                                                                                                                                            فأما الخبر ففيه أربعة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : شر الثلاثة ذكرا ؛ لأنه يذكر أبدا أنه ولد زنا إذا سئل عن أبيه .

                                                                                                                                            والثاني : شر الثلاثة نسبا لأنه لا ينسب إلى أب .

                                                                                                                                            والثالث : شر الثلاثة إن كان زانيا ؛ لأنه قد يجمع بين الزنا وفساد النسب .

                                                                                                                                            والرابع : أنه ذكر ذلك على طريق التعريف ؛ لأنه كان واحدا من ثلاثة، وقد عرفه بالشر فقال : ولد الزنا منهم هو شرهم كما يقال : المشتمل بثوبه هو شر الجماعة لا لاشتماله بالثوب، ولكن نبه عليه باشتمال الثوب . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية