الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يطلق في الإيلاء الأول ويطلق في الإيلاء الثاني ، فإذا طلق بعد مضي أربعة أشهر من الإيلاء الأول فلا يخلو أن ترجع إليه الزوجة بعد الطلاق أو لا ترجع إليه ، فإن لم ترجع إليه سقط إيلاؤه وبقيت يمينه لأن الإيلاء لا يكون إلا في زوجة واليمين يكون في زوجة وغير زوجة ، وإن رجعت إليه فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ترجع إليه بمراجعتها في العدة .

                                                                                                                                            والثاني : بعقد نكاح بعد انقضاء العدة ، فإن رجعت إليه بالرجعة في العدة كان الإيلاء الثاني باقيا بحاله : لأن النكاح الذي آلى فيه باقيا بعد الرجعة وإذا كان كذلك نظر في حال رجعته فإن كانت في بقية الشهر الخامس من الإيلاء الأول لم يعقد عليها بباقيه وكان حالفا فإن وطئ باليمين الأول ، وإن كان بعد طلاقه ورجعته فإذا مضى بقية الشهر الخامس استوقف له مدة الوقف في الإيلاء الثاني ، وإن كانت رجعته بعد انقضاء الشهر الخامس وبعد دخول السنة من الإيلاء الثاني فأول مدة الوقف بعد رجعته ولا يحتسب عليه ما مضى من السنة قبلها لأنها كانت محرمة عليه لا يقدر على إصابتها ، فإذا مضت أربعة أشهر بعد رجعته طولب بالفيئة أو الطلاق ، فإذا طلق فيه سقط حكم الإيلاء بالطلاق ولم يسقط حكم اليمين بالحنث ، فإذا راجع فيه بعد طلاقه استؤنف له الوقف إن كان الباقي من السنة بعد رجعته أكثر من أربعة أشهر فإذا مضت طولب بالفيئة أو الطلاق فإن طلق فمعلوم بعد الوقفين أنه قد استوفى الطلاق الثلاث وأن الباقي من السنة أقل من أربعة أشهر فلا يكون موليا فيها ، ويكون حالفا كمن حلف أن لا يطأ أقل من أربعة أشهر يكون حالفا ولا يكون موليا ، وكذلك لو كان الباقي من السنة بعد الرجعة الأولى من الوقف الأول أربعة أشهر فما دون كان فيها حالفا ولم يكن موليا ، فأما إذا عادت إلى الزوج في الإيلاء الأول بعقد نكاح بعد انقضاء العدة ولم تعد إليه [ ص: 349 ] بالرجعة في العدة ، فهل يعد إيلاؤه في النكاح الأول ويستقر حكمه في النكاح الثاني أم لا على ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يعود الإيلاء إن كان على يمينه ؛ لأن الإيلاء كالطلاق وأنهما لا يصحان إلا في زوجة وأن الطلاق والإيلاء لا يصحان قبل النكاح ، والإيلاء في النكاح الأول قبل النكاح الثاني فلم يصح ، فعلى هذا لا يوقف .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه يعود الإيلاء لبقاء اليمين ، وأن عقده موجود في نكاح فأشبه النكاح استدامة ذلك النكاح ، فعلى هذا يوقف فيه للإيلاء الثاني فيكون الوقف فيه كالوقف بعد الرجعة .

                                                                                                                                            القول الثالث : أنه إن كان الطلاق في النكاح الأول بائنا وهو الثلاث أو دونها بعوض لم يعد الإيلاء ولم يوقف لها وكان حالفا إن وطئ حنث ، وإن كان رجعيا فنكحها بعد انقضاء العدة منه عاد الإيلاء واستؤنف له الوقف كما يستأنف بعد الرجعة ، ويكون حكمه على ما مضى .

                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الثالثة : وهو أن يفيء بالوطء في الإيلاء الأول ويطلق في الإيلاء الثاني فقد سقط إيلاؤه الأول بوطئه فيه ويستأنف له الوقف في الإيلاء الثاني ، بعد انقضاء الأول ، فإذا مضت أربعة أشهر من أول الإيلاء الثاني وذلك بعد تسعة أشهر بعد يمينه يقضى به زمان الوقف فيه فطولب بالفيئة أو الطلاق ، فإذا طلق فيه فإن لم يرجع إليها حتى مضت السنة سقطت يمينه وزال إيلاؤه لتقضي زمانه ، وإن عادت إليه قبل انقضائها فعلى ما ذكرناه من الضربين ، إن عادت برجعة في العدة وكان الباقي من السنة أكثر من أربعة أشهر كان موليا واستؤنف له وقف أربعة أشهر وطولب بعد انقضائها بالفيئة أو الطلاق ، وإن كان الباقي منها أربعة أشهر فما دون لم يكن فيها موليا لقصورها عن مدة الوقف ، وكان فيها حالفا ولم يكن موليا ، فإن كان الباقي منها يبلغ مدة الوقف وهو أن يكون أكثر من أربعة أشهر فهل يعود الإيلاء أم لا ، وعلى ما ذكرنا من الأقاويل الثلاثة .

                                                                                                                                            فصل : وأما الحال الرابعة : وهو أن يطلق في الإيلاء الأول ويفيء في الإيلاء الثاني ، فلا كفارة عليه في الإيلاء الأول لعدم وطئه فيه وقد سقط عند حكم المطالبة بطلاقه فيه ، ويكون حكم طلاقه في هذا الإيلاء الأول من هذا القسم كحكمه لو طلق فيهما ويكون وطؤه في الإيلاء الثاني موجبا للكفارة مسقطا للإيلاء كحكمه لو وطئ فيه مع الإيلاء الأول ، ولا فرق في الطلاق بين أن يكون هو المطلق وبين أن يمتنع فيطلق عليه الحاكم في أنه يكون على ما مضى ، إلا أنه إذا كان هو المطلق فهو مخير بين الطلاق الرجعي والبائن وإذا كان الحاكم هو المطلق فليس إلا الواحدة الرجعية ، لأنه [ ص: 350 ] أقل ما يخرج به من حكم الإيلاء فأما إن لم يكن منه واحد من الإيلائين وطئ ولا طلاق حتى انقضى زمانهما فقد ارتفعت اليمين فيهما وسقط حكمها ثم ينظر فإن كان هذا لعفو الزوجة عن مطالبته لم يأثم ، لأنه حق لها يجوز لها العفو عنه ، وإن كانت قد طالبته فدافعها كان آثما لاستدامة الإضرار بها مدة يمينه ، ولا شيء لها عليه بعد تقضي زمانه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية