الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " فإن قال لا أقدر على افتضاضها أجل أجل العنين " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا ادعى المولي العنة بعد انقضاء المدة فلا يخلو حاله في هذه الدعوى من أحد أمرين : إما أن يكون قد أصابها في هذا النكاح قبل الإيلاء أو لم يصبها ، فإن كان قد أصابها فيه فدعواه مردودة ، لأن حكم العنة لا يثبت في نكاح قد وقعت فيه إصابة ، وصار بهذه الدعوى كالممتنع من الإصابة مع القدرة عليها ، فإن أصاب أو طلق وإلا طلق الحاكم عليه في أصح القولين، فإن لم يكن قد أصابها فيه وهي على بكارتها أو كانت ثيبا قبل النكاح نظر .

                                                                                                                                            فإن كانت عنته قد ثبتت قبل الإيلاء وأجل لها ورضيت بالمقام معه بعد انقضاء أجلها كان مقبول القول في العنة ولا يسقط به حكم الفيئة لكن يفيء بلسانه فيء معذور ويخير بينه وبين الطلاق ، فإن لم يثبت حكم العنة قبل الإيلاء ولم يدعها إلا بعده ، فهل تقبل دعواه أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو الظاهر من مذهب الشافعي أشار إليه في هذا الموضع أن قوله [ ص: 402 ] مقبول : لأن العنة من العيوب الباطنة التي لا تعرف إلا من جهته فكان مقبول القول فيها، لكن مع يمينه لإمكان كذبه ، فعلى هذا إذا حلف قيل له عليك أن تفيء بلسانك فيء معذور ، فإذا فاء بلسانه أجل للعنة سنة، فإن أصاب فيها سقط بها حكم الإيلاء والعنة جميعا ، وإن لم يصب فيها ثبت له حكم العنة وكان لها الخيار بين المقام أو الفسخ ، فإن أقامت سقط حقها من العنة وإن لم يكن لها الرجوع فيه فيسقط حقها من الإيلاء ولم يكن لها الرجوع أيضا لأنه قد فاء لها فيء معذور ، وإن لم تختر المقام معه فللحاكم أن يقع الفرقة بينهم قولا واحدا بالعنة وقد استوفت حقها من الإيلاء والعنة ، ويكون ذلك فسخا في العنة لا طلاقا في الإيلاء، وحكم الفسخ أغلظ من حكم الطلاق ، فهذا أحد الوجهين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول بعض أصحابنا أنه لا يقبل منه دعوى العنة لأنه يصير متهوما بدعواها ليقتنع منه بفيء المعذور وينظر سنة بعد مدة التربص فرد قوله بهذه التهمة وإذا صار على هذا الوجه مردود القول قيل لا يسقط عنك المطالبة إلا بفيئة الجماع وأنت مخير بينهما وبين الطلاق ، فإن فعل أحدهما وإلا طلق الحاكم عليه في أصح القولين . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية