الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن ميراثها على ما ذكرنا من الأقاويل الثلاثة ، فإنها ترثه إذا لم تختر طلاق نفسها فإن اختارت طلاقها لم ترث . واختيارها للطلاق قد يكون من وجوه ، منها : أن تسأله الطلاق فيطلقها ، أو يعلقه بمشيئتها فتشاء طلاقها أو يعلقه بفعلها فيما لا تجد منه بدا ، كقوله : إن دخلت الدار أو كلمت زيدا أو لبست هذا القميص أو أكلت هذا الرغيف فأنت طالق فتفعل ذلك ، فيدل على اختيارها للطلاق : لأنها تجد من ذلك بدا فلا تدخل الدار ، ولا تكلم زيدا ، ولا تلبس ذلك القميص ، ولا تأكل ذلك الرغيف .

                                                                                                                                            فأما إن علقه بفعل ما لا تجد بدا منه كقوله : إن أكلت أو شربت أو نمت أو قعدت ، فإن فعلت ذلك عند الحاجة فهي غير مختارة لطلاقها ، فلها الميراث وإن فعلته قبل وقت الحاجة ففيه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 267 ] أحدهما : يجري عليها حكم الاختيار ، اعتبارا بوقت الفعل لأنها تجد من تقديمه قبل الحاجة بدا .

                                                                                                                                            والثاني : يجري عليها حكم عدم الاختيار ، اعتبارا بوقت الفعل : لأنها تجد من تقديمه قبل الحاجة بدا بحال الفعل : لأنها لا تجد من فعله بدا ، وكذلك لو خالعته دل الخلع على اختيارها فمنعها طلاق الخلع من الميراث ، هذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة .

                                                                                                                                            وقال مالك : لها الميراث وإن اختارت الطلاق وسألته ، وقال أبو علي بن أبي هريرة من أصحابنا تعلقا بأن تماضر بنت الأصبغ الكلبية سألت عبد الرحمن بن عوف الطلاق ، فورثها عثمان رضي الله عنه ولأنه لما كان القتل مانعا من الميراث لم يقع الفرق فيه بين أن يكون عن سؤال وغير سؤال ، حتى لو قال له الموروث : اقتلني فقتله لم يرثه ، كذلك الطلاق في المرض لما كان موجبا للميراث لم يقع الفرق فيه بين أن يكون عن سؤال وغير سؤال ، وهذا فاسد : لأن استحقاق الإرث إنما يكون لأجل التهمة في الإرث فإذا اختارت وسألت زالت التهمة وسقط موجب الإرث ، ولأنها إذا سألت واختارت ، صارت الفرقة منسوبة إليها فجرى مجرى فسخها بالعيوب التي لا توجب ميراثها ولا ميراثه منها .

                                                                                                                                            وأما تماضر فكل ما أخذته وإن سألت الطلاق صلحا لا إرثا ، على أنه لم يطلقها حتى سألته لأنه أمسكها حتى حاضت ثم طهرت ثم طلقها .

                                                                                                                                            وإذا تأخر طلاقه عن سؤالها لم يكن جوابا ، وصار طلاقا مبتدأ ، وقيل أنها سألته في حال الصحة فطلقها في المرض .

                                                                                                                                            وأما الإرث في القتل فوجوده كعدمه في الحظر سواء فكان في حكم الميراث سواء وخالف سؤال الطلاق والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية