الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ولو كان قال أنت طالق كلما وقع عليك طلاقي وطلقها واحدة طلقت ثلاثا وإن كانت غير مدخول بها طلقت بالأولى وحدها قال الشافعي : وكذلك لو خالعها بطلقة مدخولا بها قال المزني رحمه الله تعالى ألطف الشافعي في وقت إيقاع الطلاق فلم يوقع إلا واحدة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال لها : كلما وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق فلها ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن تكون مدخولا بها .

                                                                                                                                            والثاني : أن تكون غير مدخولة بها .

                                                                                                                                            والثالث أن تكون مختلعة .

                                                                                                                                            فإن كانت مدخولا بها فمتى طلقها واحدة طلقت ثلاثا ، واحدة بمباشرته ، والثانية بالصفة وهو وقوع الأولى عليها والثالثة بالثانية ، لأنها قد وقعت عليها فصارت صفة في وقوع الثالثة ، وهكذا لو قال لها بعد عقد هذا الطلاق أو قبله ، إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار ، طلقت ثلاثا ، واحدة بدخول الدار ، وثانية بوقوع الأولى ، وثالثة بوقوع الثانية وكانت هذه المسألة مخالفة لمسطور المسألة التي قبلها من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه إذا قال لها في المسألة المتقدمة : إذا طلقتك فأنت طالق ، ثم طلقها واحدة ، طلقت ثنتين لا غير .

                                                                                                                                            وإذا قال لها في هذه المسألة : كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، ثم طلقها واحدة طلقت ثلاثا .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن الشرط في الأولى ، فعل الطلاق ، وفي الثانية وقوع الطلاق وفعل الطلاق لم يتكرر ، فلذلك لم يتكرر وقوع الطلاق به .

                                                                                                                                            ووقوع الطلاق قد تكرر ، فلذلك تكرر وقوع الطلاق ، ولولا أن عدد الطلاق مقصور على الثلاث لتناهى وقوعه إلى ما لا غاية له ، ولكن لو قال : كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق ثم طلقها واحدة طلقت ثانية لا غير ، كقوله كلما طلقتك فأنت طالق ، لأنه قد أضاف الوقوع إلى نفسه فصار الطلاق معلقا بفعله . [ ص: 206 ] والوجه الثاني أن في المسألة الأولى إذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم قال : إن طلقتك فأنت طالق ، فدخلت الدار لم تطلق إلا واحدة بدخولها .

                                                                                                                                            وفي هذه المسألة ، إن قال لها : إن دخلت الدار فأنت طالق ، ثم قال لها : إن وقع عليك طلاقي ، فأنت طالق ، فدخلت الدار ، طلقت ثنتين .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أنه في الأولى جعل الشرط إحداث الطلاق فإذا طلقت بما تقدم لم يكن محدثا له فلم تطلق وفي هذه المسألة جعل وقوع الطلاق وهو واقع من بعد وإن كان بعقد متقدم ، فلذلك طلقت .

                                                                                                                                            وكان بعض أصحابنا يجمع بين المسألتين والفرق بينهما بما ذكرناه أصح ، ولو قال : إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ، ولم يقل كلما ، ثم طلقها واحدة طلقت ثنتين : لأن إذا لا توجب التكرار ، وكلما توجب التكرار .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية