الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : في الشرط والجزاء

                                                                                                                                            إذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فهو طلاق معلق بشرط لا يقع إلا بوجوده ، والشرط دخول الدار ، والجزاء وقوع الطلاق ، فمتى دخلت الدار طلقت ، ولا تطلق إن لم تدخل .

                                                                                                                                            فلو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق فظاهره الشرط والجزاء ، وإن أسقط فاء الجزاء فلا تطلق إلا بدخول الدار ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فلو قال : أردت به الطلاق في الحال ، فقوله : أنت طالق حمل على إرادته ، لأنه أضر به نفسه ، ويحلف في الحال ولم تطلق بدخول الدار .

                                                                                                                                            ولو قال : إن دخلت الدار فأنت طالق ، احتمل ثلاثة معان :

                                                                                                                                            أحدها : أن يريد بذلك الشرط ويضمر الجزاء في نفسه ، فكأنه أراد إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر ، أو فحفصة طالق فيحمل على ما أراد ، لأن الكلام يحتمله ، فلا تطلق هي بدخول الدار ، فإن أكذبته الزوجة أحلف لها .

                                                                                                                                            المعنى الثاني : أن يريد الشرط والجزاء ، فيكون كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فيكون على ما أراد شرطا وجزاء وتقوم الواو مقام الفاء ، فإذا دخلت الدار طلقت فإن أكذبته الزوجة وذكرت أنه أراد بهما جميعا الشرط لم يحلف لها ، فإن ذكرت أنه أراد الطلاق المعجل أحلف لها .

                                                                                                                                            والمعنى الثالث : أن يريد إيقاع الطلاق في الحال فتطلق ، ويكون ذكر الدار صلة لا شرطا ، فإن أكذبته الزوجة لم يحلف لها ، فإن قال ذلك ولم يكن له إرادة ، كان [ ص: 290 ] الظاهر منه حمله على الشرط والجزاء ، لأن الكلام إذا أمكن أن يكون مستقلا بنفسه لم يجعل مبتورا، والواو قد تقوم مقام الفاء : لأنها من الحروف التي ينوب بعضها مناب بعض .

                                                                                                                                            ولو قال : وإن دخلت الدار فأنت طالق ، احتمل معنيين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عطفا على كلام تقدم كأنه قال : إن كلمت زيدا فأنت طالق وإن دخلت الدار فأنت طالق ، فيكون شرطا وجزاء فمتى دخلت الدار طلقت ، ولا تطلق قبل دخولها .

                                                                                                                                            والمعنى الثاني : أن يريد به إيقاع الطلاق في الحال ، فتطلق ويكون معناه أنت طالق وإن دخلت الدار . ولو قال : أنت طالق إن كلمت زيدا وعمرا وبكرا مع خالد ، فإن أراد بقوله وبكرا مع خالد استئناف كلام كان شرط الطلاق كلام زيد وعمرو ، دون بكر وخالد ، فإذا كلمت زيدا وعمرا معا أو على انفراد طلقت ، وإن كلمت أحدهما دون الآخر لم تطلق ، وإن أراد بقوله بكرا مع خالد الشرط ، صار شرط الطلاق مقيدا بكلام زيد وعمرو ، وبكر مع خالد فإن كلمتهم إلا واحدا منهم لم تطلق ، لأن الشرط لم يكمل ، وإن كلمتهم جميعا وأفردت كلام بكر عن خالد لم تطلق ، لأنه جعل شرط الطلاق اجتماعهم في الكلام وإن جمعت بين بكر وخالد في الكلام وفرقت بين زيد وعمرو في الكلام طلقت ، لأنه جعل الجمع بين بكر وخالد شرطا ، ولم يجعل الجمع بين زيد وعمرو شرطا ، وإن قال ذلك : ولا إرادة له حمل ذكر بكر وخالد على الاستئناف دون الشرط ، لأن اختلافهما في حكم الإعراب يخالف بينهما في حكم الشرط ، ولو قال : إن كلمت زيدا أو عمرا أو بكرا فأنت طالق ، فإن كلمت أحدهم طلقت واحدة ، وإن كلمتهم جميعا قال ابن سريج : تطلق ثلاثا ، لأن كلام كل واحد شرط يتعلق به الجزاء إذا انفرد فوجب أن يتعلق به الجزاء إذا اجتمع .

                                                                                                                                            والذي أراه أنها لا تطلق إلا واحدة ، لأن الجزاء واحد علق بأحد ثلاثة شروط فوجب أن تطلق بهما إذا اجتمعت الأجزاء واحدة ، ولكن لو قال : إن كلمت زيدا فأنت طالق وإن كلمت عمرا فأنت طالق وإن كلمت بكرا فأنت طالق فكلمتهم جميعا ، طلقت ثلاثا ، لأنها ثلاثة شروط علق بكل شرط منها جزاء مفردا ، ولو قال وله زوجتان : وإن دخلتما هاتين الدارين ، فأنتما طالقتان ، فإن دخلت كل واحدة منهما كل واحدة من الدارين طلقتا ، وإن دخلت إحداهما إحدى الدارين ودخلت الأخرى الدار الأخرى ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : طلقتا ، لأن دخول الدارين موجود منهما فصار الشرط بدخولهما موجودا .

                                                                                                                                            [ ص: 291 ] والوجه الثاني : وهو الأصح : لا تطلقا حتى تدخل كل واحدة منهما كل واحدة من الدارين ، لأنه لو أفرد طلاق كل واحدة منهما بدخول الدارين ، لم تطلق إلا بدخولهما معا ، فكذلك إذا جمع بينهما لم تطلق كل واحدة منهما إلا بدخول الدارين معا ، وهكذا لو قال : إن ركبتما هاتين الدابتين فأنتما طالقتان فركبت كل واحدة منهما كل واحدة من الدابتين أو قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقتان ، فأكلت كل واحدة منهما أحد الرغيفين كان طلاقهما على هذين الوجهين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية