الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لأربع نسوة قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك تطليقتين وثلاثا وأربعا إلا أن يريد قسم كل واحدة فيطلقن ثلاثا ثلاثا " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال لأربع زوجات له : قد أوقعت بينكن تطليقة ، كان ذلك صريحا في وقوع الطلاق عليهن ، لأنه لا فرق في عرف الخطاب بين قوله : قد أوقعت عليكن ، وبين قوله قد أوقعت بينكن ، كما لا فرق في الإقرار بين قوله : هذه الدار لزيد وعمرو ، وبين قوله هي بين زيد وعمرو ، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وإذا كان ذلك صريحا فله في إيقاع الطلاق بينهن ستة أحوال : أحدها : أن يوقع بينهن تطليقة واحدة ، فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، لأن الواحدة إذا قسمت بين أربع ، كان قسط كل واحدة منهن الربع فيكمل الربع بالسراية تطليقة كاملة .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يوقع بينهن تطليقتين فلا يخلو حاله فيهما من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يريد قسمة جملة التطليقة بينهن ، فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، لأن قسطها من قسمة الثنتين نصف واحدة فكملت واحدة .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يريد قسمة كل واحدة منهما بينهن ، فتطلق كل واحدة منهن تطليقتين ، لأن قسطها من كل واحدة منهما ربع ، فيكمل الربع طلقة ، فوقع عليها بالربعين تطليقتان .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن لا يكون له إرادة في القسم ، فمذهب الشافعي أنه يحمل إطلاق ذلك على قسمة جملة التطليقتين بينهن ، فيكون قسط كل واحدة منهن نصف تطليقة ، وقال بعض أصحابنا وجها آخر ، وحكاه أبو علي الطبري في إفصاحه أنه يحمل إطلاق ذلك على قسمة كل تطليقة بينهن ، فيكون قسط كل واحدة منهن ربعي تطليقتين ، فتطلق تطليقتين ، وما نص عليه الشافعي أصح ، لأنه إذا كان محتملا للأمرين وجب حمله على الأقل .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يوقع بينهن ثلاث تطليقات ، فإن أراد قيمة الجملة بينهن طلقت كل واحدة منهن تطليقة واحدة ، لأن قسطها من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة ، فكملت تطليقة وإن أراد قسمة كل تطليقة بينهن كل واحدة منهن ثلاثا ، لأن قسطهما ثلاثة أرباع تطليقات فيكمل كل ربع تطليقة ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي يحمل على قسمة الجملة فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، وعلى الوجه الآخر تطلق كل واحدة منهن ثلاثا .

                                                                                                                                            [ ص: 248 ] والحال الرابعة : أن يوقع بينهن أربع تطليقات ، فإن أراد قسمة الجملة ، طلقت كل واحدة منهن واحدة وعلى الوجه الآخر تطلق كل واحدة منهن ثلاثا ، وتكون الرابعة لغوا ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي تطلق واحدة ، وعلى الوجه الآخر ثلاثا .

                                                                                                                                            والحال الخامسة : أن يوقع بينهن خمس تطليقات ، فإن أراد قسمة الجملة بينهن طلقت كل واحدة منهن تطليقتين ، لأن قسط كل واحدة ، واحدة وربع ، فكملت ثنتين ، وإن أراد قسمة كل تطليقة بينهن طلقت ثلاثا من خمس ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي تطلق كل واحدة تطليقتين ، وعلى الوجه الآخر ثلاثا ، وكذلك لو أوقع بينهن ستا أو سبعا أو ثمانية ، لأن قسط كل واحدة من الست تطليقة ونصف ، ومن السبع تطليقة وثلاثة أرباع ، ومن الثمان تطليقتان ، ولا فرق بين تطليقتين وبين تطليقة من بعض ثانية في تكميلها بطلقتين .

                                                                                                                                            والحال السادسة : أن يوقع بينهن تسع تطليقات ، فتطلق كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا ، لأن قسطها من قسمة الجملة تطليقتان وربع ، وهو أقل أحوالها ، فكملت ثلاثا ، وكذلك لو أوقع بينهن أكثر من سبع أو أكثر من ثمان ، ودون التسع كثمان ونصف أو ثمان وعشر ، لأنه أزاد قسط كل واحدة على الثنتين ولو بيسير من ثالثة ، كمل ثلاثا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية