الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما القسم الثاني في الأصل وهو أن يختلف لفظهما في عقد النكاح فهذا على ستة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بكناية ، مثل أن تقول له : طلقني بألف ، فيقول لها : قد أبنتك أو حرمتك ، فإن لم يرد به الطلاق ، فلا خلع ، وإن أراد به الطلاق ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما ، وهو قول أبي علي بن خيران : لا يقع الطلاق ، لأنها سألته صريح الطلاق فعدل عنه إلى كنايته فلم يصر مجيبا إلى ما سألت .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو الصحيح أن الطلاق واقع ، وله الألف لأن كناية الطلاق مع النية يقوم مقام صريح الطلاق بغير نية .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بالخلع ، كأنها قالت له : طلقني بألف فقال : قد خالعتك بألف .

                                                                                                                                            فإن قيل : إن لفظ الخلع صريح في الطلاق فقد وقعت الفرقة واستحق البدل وصار كما لو أجابها بصريح عن صريح .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن الخلع كناية ، فهو على ما مضى من إجابته عن الصريح بالكناية .

                                                                                                                                            وإن قيل : إن الخلع فسخ ، وعليه التفريع فيما نذكره من الأقسام كلها ليصح أن يكون مميزا بحكم مخصوص فعلى هذا في وقوع الفرقة به وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الفرقة قد وقعت ، لأن كلا اللفظين صريح في الفرقة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا تقع به الفرقة ، ولا يكون جوابا إلى ما سألت ، لأنها سألته طلاقا ينقضي به ما ملكه عليها من عدد الطلاق فأجابها إلى فسخ لا ينقضي به عدد الطلاق ، فصار مجيبا إلى غير ما سألت ، فلم تقع به الفرقة ، ولم يستحق به البدل . [ ص: 35 ] والقسم الثالث : أن تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بصريحه ، كأنها قالت له : أبني بألف ، فقال : قد طلقتك بها ، فإنها تسأل عن إرادتها دونه فإن أرادت الطلاق وقع الطلاق وله الألف ، لأن الصريح أقوى من الكناية ، وإن لم ترد الزوجة بالكناية الطلاق لم يقع الطلاق لعدم الشرط ولم يستحق البدل .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بالخلع كأنها قالت : أبني بألف ، فقال لها : قد خلعتك بها فإنها تسأل عن إرادتها بالكناية فإن لم ترد الطلاق ، فلا خلع ، وإن أرادت الطلاق ففي وقوع الفرقة بلفظ الخلع وجهان إذا قيل : إن الخلع فسخ كما لو سألته بصريح الطلاق فأجابها بالخلع .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن تسأله بالخلع فيجيبها بصريح الطلاق ، كأنها قالت له : اخلعني بألف ، فقال لها : أنت طالق بألف ، فالطلاق هاهنا واقع ، والألف مستحقة ، لأنها سألته بالخلع فرقة لا ينقص بها عدد الطلاق ، فأجابها بالطلاق الذي تقع به الفرقة وينقص بها عدد الطلاق فصار ما أجابها إليه أكثر مما سألته منه ، وخالف سؤالها للطلاق فيجيبها بالخلع ، لأن الخلع انقضى فلم يصر مجيبا إلى ما سألت .

                                                                                                                                            والقسم السادس : أن تسأله بالخلع فيجيبها بكناية الطلاق كأنها قالت له : اخلعني بألف ، فقال لها : قد أبنتك بها ، فيسأل عن إرادته فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : ألا يريد به الطلاق فيصير بالنية طلاقا ، فيقع الطلاق وتستحق الألف ، ويصير كأنها سألته الخلع ، فأجابها بالطلاق فيقع ، لأنه أغلظ .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يريد به فسخ الخلع فقد اختلف أصحابنا في كنايات الطلاق هل يصح أن يكون كناية في فسخ الخلع أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يصح ، لأن الفسخ لا يتعلق بالصفة ، فلم يصح بالكناية ، فعلى هذا لا فرقة ولا بذل .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يصح ، ويكون كناية في الفسخ ، كما كان كناية في الطلاق ، فعلى هذا لو سألته بصريح الفسخ فأجابها بكناية فيكون وقوع الفرقة به على وجهين ، كما لو سألته بصريح الطلاق فأجابها بكناية .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : ألا يريد به طلاقا ولا فسخا فلا تقع به الفرقة ولا يتعلق به حكم والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية