الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
من دخل النار من أهل كلمة التوحيد، فلقلة صدقه فيها، فأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة، فلقلة صدقه في قولها.

إن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله. [ ص: 167 ]

ومتى يبقى في القلب أثر لسوى الله فمن قلة الصدق في قولها.

من صدق في قول: «لا إله إلا الله»، لم يحب سواه، ولم يرج إلا إياه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم يبق له بقية من آثار نفسه، وهواه.

وإن الله -عز وجل- له عناية بمن يحبه من عباده.

فكلما زلق ذلك العبد في هفوات الهوى، أخذ بيده إلى النجاء، فيسبب له أسباب التوبة، وينبهه على قبح زلته، فيفزع إلى الاعتذار، أو يبتليه بمصائب مكفرة لما جنى.

وفي «الصحيح» عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الحمى تذهب الخطايا كما يذهب الكير خبث الحديد».

وفي «المسند»، و«صحيح ابن حبان»، عن عبد الله بن مغفل: أن رجلا لقي امرأة كانت بغيا في الجاهلية، فجعل يلاعبها حتى بسط يده إليها، فقالت: مه، إن الله قد أذهب الشرك، وجاء بالإسلام، فتركها، وولى، فجعل يلتفت خلفه، وينظر إليها حتى غابت.

فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالأمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت عبد الله أراد الله بك خيرا»، ثم قال: «إن الله إذا أراد بعبده خيرا، أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة».


فيا قوم! قلوبكم على أصل الطهارة، وإنما أصابها رشاش من نجاسة الذنوب، فرشوا عليها قليلا من دموع العيون، وقد طهرت.

اعزموا على فطام النفوس عن رضاع الهوى، فالحمية رأس الدوا.

متى طابت نفوسكم بمألوفاتها، فقولوا كما قالت المرأة لذلك الرجل: قد أذهب الله الشرك، وجاء بالإسلام.

والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة. [ ص: 168 ]

وذكروها قوله تعالى: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [فصلت: 30].

لعلها تحن إلى الاستقامة.

وعرفوها اطلاع من هو أقرب إليها من حبل الوريد، لعلها تستحي من قربه ونظره: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق:14]، إن ربك لبالمرصاد [الفجر: 14].

راود رجل امرأة في فلاة، فأبت، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، فقالت: فأين مكوكبها؟

أكره رجل امرأة على نفسها، وأمرها بغلق الأبواب، ففعلت، فقال لها: هل بقي باب لم تغلقيه؟ قالت: نعم، الباب الذي بيننا وبين الله تعالى، فلم يتعرض لها.

رأى بعض العارفين رجلا يكلم امرأة، فقال: إن الله يراكما، سترنا الله، وإياكما.

سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أبقى من نظرك إلى ما تنظره.

التالي السابق


الخدمات العلمية