الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الإشراك في العبادة

والشيء الثالث : أن الله تعالى خص بعض الأمور التعظيمية لذاته المقدسة ، ويقال لها : العبادات ؛ كالسجدة ، والركوع ، والقيام بضم اليدين بين يديه ، وإنفاق المال على اسمه ، والصيام له ، والإتيان إلى بيته الحرام من كل فج عميق ، والسفر إليه على هيئة يعلم منها كل من رآهم أن هؤلاء زائرون له ، يلبون باسمه في طريق السفر ، مع الاجتناب فيها عن الرفث ، والفسوق ، والجدال ، والصيد ، ونحوها .

فإذا وصلوا مع هذه القيود إلى بيته العتيق ، طافوا به ، وسجدوا إليه ، وبعثوا الهدي ، وسألوا عنده الحاجات ، وألبسوه اللحاف ، والسرادق ، وقاموا عند باب [ ص: 295 ] الكعبة ، ودعوا الله ، والتجؤوا إليه ، وطلبوا منه سبحانه حوائج الدارين ، وقبلوا الحجر الأسود ، والتزموا جداره بالوجه والصدر ، وتمسكوا بسرادقه داعين الله ، وإيقاد السرج حواليه ، وتقديم الخدمة لديه بالمجاورة ، والاشتغال بقم المسجد الحرام ، وتمهيد الفرش في فنائه ، وسقاء الماء ، وإعانة المسلمين على الوضوء والغسل بإعداد أسبابه ، والتبرك بماء زمزمه ، وإهدائه لأقاربه وأحبابه من الحاضرين والغائبين ، ورجعة القهقرى عند الانصراف منه ، والتأدب في صحراواته التي هي حواليه بعدم الاصطياد ، وعدم عضد الأشجار ، وقلع الكلأ الذي هناك ، وقمعه ، وإيحاش الحيوانات منها ، ونحو ذلك.

فإن هذه الأمور كلها جعلها الله تعالى عبادة مختصة به لعباده في الأرض ، وكلفهم بها .

فمن فعل شيئا من هذه لأحد غير الله ، شيوخا كانوا ، أو أنبياء ، أو جنيات ، أو شياطين ، أو خبثا وخبائث ، أو بقبر صادق لأحد من أكابر الدين ، أو ضريح كاذب ، أو محل أربعين لأحد منهم ، أو مكان له ، أو معلف ، أو يتبرك بآثاره ، أو بعلم له ، أو يسجد لمدفع ، أو يركع ، أو يصوم لأحد ، أو يضم يديه بين يديه ، أو يقوم له ، أو يذهب إلى أمكنة لم يأذن الشرع بالسفر إليها ، فيقصدها ، أو يلبس قبره ثوبا ، أو ينصب له نصبا ، أو يقبل مرقد الميت ، صالح أو طالح ، أو يسيب له بسوائب ، أو يذبح له حيوانا ، أو يوقد هناك سرجا ، أو يذب عنه بالمذبة ، أو يلحفه بلحاف ، أو يلقي على قبره بردة ، أو ينصب عليه مظلة ، أو يرجع القهقرى عند الرخصة والانصراف من عنده ، أو يرفع له قضبانا ، أو يقبل نجافه ، وأسكفته ، أو يلتمس حاجته قائما ضاما يديه عنده ، أو يجاوره بالعكوف في مقبرته ، أو يتأدب لحوالي صحرائه ، وبيدائه ، وقاعه ، وفيفائه ، ونحو ذلك من الأمور .

فالشرك يثبت عليه بهذا، ويقال له : الإشراك في العبادة . [ ص: 296 ]

لأن فيه تعظيم غير الله تعالى كتعظيمه سبحانه ، سواء اعتقد أنهم لائقون بهذه العظمة بأنفسهم ، أو أن الله تعالى يفرج بهذا التعظيم لهم ، ويكشف الضر ، ويدفع البلاء ، ويسهل المشكل عليهم ببركة هذا الفعل بهم ، فالشرك ثابت على كل حال .

التالي السابق


الخدمات العلمية