الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الدعاء نوع من أنواع العبادة

إذ الدعاء بطلب وصول الخير إليه ، ودفع الضر عنه هو من أنواع العبادة .

ولا فرق بين أن يكون هذا المدعو من دون الله أو معه ، حجرا ، أو شجرا ، أو ملكا ، أو شيطانا ، كما كان يفعل ذلك الجاهلية . وبين أن يكون إنسانا من الأحياء ، أو الأموات ، كما يفعل الآن كثير من المسلمين المشركين .

وكل عالم يعلم هذا ، ويقر به ؛ فإن العلة واحدة . وعبادة غير الله تعالى ، وتشريك غيره معه ، يكون للحيوان ، كما يكون للجماد ، وللحي كما يكون للميت .

فمن زعم أن ثم فرقا بين من اعتقد في وثن من الأوثان أنه يضر وينفع ، وبين من اعتقد في ميت من بني آدم ، أو حي منهم : أنه يضر ، أو ينفع ، أو يقدر على أمر لا يقدر عليه الله تعالى ، أو يقدر عليه معه ، فقد غلط غلطا بينا ، وأقر على نفسه بجهل كبير .

فإن الشرك هو دعاء غير الله في الأشياء التي تختص به ، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه ، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه .

ومجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكا ، بالصنم ، والوثن ، والإله ، ليس زيادة على التسمية ، بالولي ، والقبر ، والمشهد ، كما يفعله كثير من المسلمين المشركين .

إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات ، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئا يختص به سبحانه ، سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ، أو أطلق عليه اسما آخر ، فلا اعتبار بالاسم قط . [ ص: 407 ]

ومن لم يعرف هذا ، فهو جاهل لا يستحق أن يخاطب بما يخاطب أهل العلم . وقد علم أن عبادة الكفار للأصنام لم تكن إلا بتعظيمها ، واعتقاد أنها تضر وتنفع ، والاستغاثة بها عند الحاجة ، والتقرب لها في بعض الحالات بجزء من أموالهم .

وهذا كله ، قد وقع من المعتقدين في القبور ؛ فإنهم قد عظموها إلى حد لا يكون إلا لله سبحانه ، بل بما يترك العاصي منهم فعل المعصية ، إذا كان في مشهد من يعتقده ، أو قريبا منه ؛ مخافة تعجيل العقوبة من ذلك الميت .

وربما لا يتركها إذا كان في حرم لله ، أو في مسجد من المساجد ، أو قريبا من ذلك.

وربما حلف بعض غلاتهم بالله كاذبا ، ولم يحلف بالميت الذي يعتقده .

وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع ، فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد ، لم يدع أحد منهم ميتا أو حيا ، عند استجلابه لنفع ، أو استدفاعه لضر ، قائلا : يا فلان ! افعل لي كذا وكذا ، وعلى الله وعليك ، وأنا بالله وبك .

وأما التقرب للأموات ، فانظر ما يجعلونه من النذور لهم ، وعلى قبورهم في كثير من المحلات . ولو طلب الواحد منهم أن يسمح بجزء من ذلك لله تعالى ، لم يفعل ، وهذا معلوم يعرفه من عرف أحوال هؤلاء . انتهى كلام الدر «النضيد » .

* * * [ ص: 408 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية