الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم : من اعتقد أن الله هو السيد ، وهو المدبر ، لكنه قد يخلع على بعض عبيده لباس الشرف ، والتأله ، ويجعله متصرفا في بعض الأمور الخاصة ، ويقبل شفاعته في عباده .

بمنزلة ملك الملوك يبعث على كل قطر ملكا ، ويقلده تدبير تلك المملكة ، فيما عدا الأمور العظام .

فيتلجلج لسانه أن يسميهم : عباد الله ، فيسويهم وغيرهم .

فعدل عن ذلك إلى تسميتهم : أبناء الله ، ومحبوبي الله ، وسمى نفسه : عبدا لأولئك ؛ كعبد المسيح ، وعبد العزى .

وهذا مرض جمهور اليهود والنصارى ، والمشركين ، وبعض الغلاة من منافقي دين محمد صلى الله عليه وسلم يومنا هذا .

ولما كان مبنى التشريع على إقامة المظنة مقام الأصل ، عد أشياء محسوسة هي مظان الإشراك كفرا ؛ كسجدة الأصنام ، والذبح لها ، والحلف باسمها ، وأمثال ذلك.

وكان أول فتح هذا العلم علي أن رفع لي قوم يسجدون لذباب صغير سمى ، لا يزال يحرك ذنبه ، وأطرافه ، فنفث في قلبي : [ ص: 277 ]

هل تجد فيهم ظلمة الشرك ؟ وهل أحات الخطيئة بأنفسهم كما تجدها في عبدة الأوثان ؟ .

قلت : لا أجدها فيهم ؛ لأنهم جعلوا الذباب قبلة ، ولم يخلطوا درجة تذلل بالأخرى .

قيل : فقد هديت إلى السر .

فيومئذ ملئ قلبي بهذا العلم ، وصرت على بصيرة من الأمر ، وعرفت حقيقة التوحيد والإشراك ، وما نصبه الشرع مظانا لهما .

وعرفت ارتباط العبادة بالتدبير . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية