الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أقسام الناس في عبادة الله تعالى ، والاستعانة به

واعلم أن الناس في عبادة الله تعالى ، والاستعانة به على أربعة أقسام :

1-أجلها ، وأفضلها : أهل العبادة ، والاستعانة بالله عليها .

فعبادة الله غاية مرادهم ، وطلبهم منه أن يعينهم عليها ، ويوفقهم للقيام بها نهاية قصدهم .

ولهذا كان أفضل ما يسأل الرب تعالى الإعانة على مرضاته ، وهو الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل ، فقال : «يا معاذ ! والله إني أحبك ، فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك » .

فأنفع الدعاء طلب العون على مرضاته تعالى .

2-ويقابل هؤلاء القسم الثاني : المعرضون عن عبادته ، والاستعانة به : فلا عبادة لهم ، ولا استعانة ، بل إن سأله تعالى أحدهم ، واستعان به ، فعلى حظوظه ، وشهواته .

والله تعالى يسأله كل من في السماوات والأرض ، ويسأله أولياؤه وأعداؤه ، فيمد هؤلاء وهؤلاء .

وأبغض خلقه إليه إبليس ، ومع هذا أجاب سؤاله ، وقضى حاجته ، ومتعه بها .

ولكن لما لم يكن عونا على مرضاته ، كانت زيادة في شقوته ، وبعده ، وطرده .

وهكذا كل من سأله تعالى ، واستعان به على ما لم يكن عونا له على طاعته ، كان سؤاله مبعدا له عن الله تعالى .

فليتدبر العاقل هذا ، وليعلم أن إجابة الله لسؤال بعض السائلين ليست لكرامته [ ص: 312 ] عليه ، بل قد يسأله عبده الحاجة ، فيقضيها له ، وفيها هلاكه ، ويكون منعه منها حماية له ، وصيانة ، والمعصوم من عصمه الله ، والإنسان على نفسه بصيرة .

وعلامة هذا : أنك ترى من صانه الله من ذلك، وهو يجهل حقيقة الأمر ، إذا رآه سبحانه يقضي حوائج غيره ، يسوء ظنه به تعالى ، وقلبه محشو بذلك، وهو لا يشعر .

وأمارة ذلك: حمله على الأقدار ، وعتابه في الباطن لها .

ولقد كشف الله تعالى هذا المعنى غاية الكشف في قوله : فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا [الفجر : 15-17] .

أي : ليس كل من أعطيته ، ونعمته ، وخولته ، فقد أكرمته .

وما ذاك لكرامته علي ، ولكنه ابتلاء مني ، وامتحان له ، أيشكرني ، فأعطيه فوق ذلك، أم يكفرني ، فأسلبه ، وأحوله عنه لغيره ؟

وليس كل من ابتليته ، وضيقت عليه رزقه ، وجعلته بقدر لا يفضل عنه ، فذاك من هوانه علي ، وحقارته لدي ، وصغاره عندي .

ولكنه ابتلاء ، وامتحان مني ، أيصبر فأعطيه أضعاف ما فاته ، أم يسخط فيكون حظه السخط ؟

فأخبر تعالى أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال ، وسعة الرزق ، وتقديره ، وتقتيره .

فإنه سبحانه يوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقتر على المؤمن لا لهوانه عليه .

وإنما يكرم سبحانه من يكرم من عباده بأن يوفقه لمعرفته ، ومحبته ، وعبادته ، واستعانته .

فغاية سعادة العبد في عبادة الله ، والاستعانة بها عليها . [ ص: 313 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية