الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال تعالى : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون [النمل : 65] .

أي : لا يعلم أحد من المخلوقات الكائنة الثابتة الساكنة المستقرة فيهن ، وهم الملائكة ، والإنس ، ومنهم الرسل ، والجن ، وغيرهم ، الغيب الذي استأثر الله بعلمه ، ولكنه سبحانه يعلم ذلك.

والاستثناء على هذا منقطع ، ورفع ما بعده «إلا » على اللغة التميمية .

وقيل : لا يعلم غيب من فيهما ، ولا يعلم الأشياء التي تحدث فيهما إلا الله .

وقيل : هو استثناء متصل من «من » .

والأولى أولى ؛ لأن الاتصال يقتضي أن الله تعالى من جملة من فيهما ، مع أنه سبحانه بائن عنهما فوق كل شيء ، مستو على عرشه .

أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث عائشة ، قالت : ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على الله الفرية ، وقالت في آخره : ومن زعم أنه يخبر الناس بما يكون في غد ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : قل لا يعلم الآية .

ومعنى آخر الآية : ما يشعر الكفار متى ينشرون من القبور ؛ لأن الشعور بوقت النشر ، وزمان البعث من الأمور الغيبية التي لا علم بها لأحد إلا الله ، بل الأبرار أيضا لا يعلمون بذلك، فضلا عن الفجار والكفار والأشرار .

قال بعض أهل العلم في هذه الآية : إن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للناس : إن علم الغيب لا يعلمه غير الله ، لا ملك ، ولا آدمي ، ولا جن ، ولا نبي ، ولا غير هؤلاء من البررة والفجرة ، وليس باختيار أحد أن يعلم أمرا غيبيا .

والدليل على ذلك: أن الصلحاء يعلمون بأن الساعة تأتي يوما ، ويؤمنون بذلك، ولكنهم لا يعلمون متى تأتي ، فلو كان العلم بكل شيء في قدرتهم ، لعلموا بذلك أيضا ، ولم يكونوا غير شاعرين بها . [ ص: 413 ]

فثبت أن العلم بوقت البعث ، وحين النشر خاصة لله تعالى ، لا يشركه فيه أحد من الخلق ، وكذلك بغيره من الأمور المخفية الغيبية التي لم يطلع أحدا عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية