الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الباب أحاديث .

وعن مجاهد ، قال: جاء رجل من أهل البادية ، فقال : إن امرأتي حبلى ، فأخبرني ما تلد ، وبلادنا مجدبة ، فأخبرني متى ينزل الغيث ، وقد علمت متى ولدت ، وأخبرني متى أموت ، فأنزل الله هذه الآية .

وعن عكرمة نحوه ، وزاد : وقد علمت ما كسبت ، فماذا أكسب غدا ؟ .

وزاد أيضا : أنه سأل عن قيام الساعة .

وقيل : نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة من أهل البادية .

واللفظ أوسع من التخصيص ، والآية نص في محل النزاع .

وفيها أدل دليل على نفي علم الغيب عنه صلى الله عليه وسلم، فضلا عن غيره من الرسل والأمم .

قال بعض أهل العلم في هذه الآية : إن العلم بالأمور الغيبية هو شأن الله تعالى ، ليس باختيار أحد من الخلق .

هذه القيامة إتيانها مشهور ، بلغ حد التواتر لا ريب فيها ، ولكن لا يعلم وقت مجيئها إلا هو ، فضلا عن أشياء أخرى ، ليست في هذه المثابة من الشهرة واليقين ، كفتح أحد ، وهزيمة آخر ، وصحة أحد ، ومرض آخر ، أو حياة أحد ، وموت آخر ؛ فإن هذه لا تساوي القيامة في الشهرة ولا في اليقين مثلها . [ ص: 416 ]

وكذلك لا علم لأحد بنزول المطر ، مع أن موسمه متعين ، ووقته معروف ويمطر غالبا في تلك المواسم والأحيان .

وكلهم من نبي ، وولي ، وسلطان ، وحكيم ، وطبيب ، وعالم ، وجاهل ، وبدوي ، وقروي يحتاج إليه . فلو كان للعلم إلى وقت نزوله سبيل ، فلا بد أن يعلم به أحد ، وإذ ليس ، فليس ، فكيف بالأشياء التي لا موسم لها ، ولا يحتاج إليها جميع الناس ؟ كموت أحد ، وحياته ، وولادة أحد ، وكونه غنيا ، أو فقيرا ، أو فتح أحد وهزيمته في الحرب ، وعند الالتحام ، فأنى لهم التناوش من مكان بعيد .

وكذلك ما في أرحام الأمهات ، فإنه لا يعلم أحد أهو ذكر أم أنثى ، مادة كاملة أو ناقصة ، حسن الصورة ، أو قبيح الشكل ؟ مع أن الأطباء يحكون الأسباب والعلامات لذلك، ولكن لا يقدرون على العلم بحال أحد مخصوص به .

وإذا لم يعلموا ذلك، فما ظنك بما هو مستور في الآدمي من الخيالات ، والإرادات والنيات ، والإيمان ، والنفاق ؟ فإنهم لا يتمكنون منها أصلا .

وكذلك إذا لم يعلم أحد بحال نفسه أنه ماذا يفعل غدا ، وماذا يكسب من خير أو شر ، فكيف يعلم بحال غيره ؟ . وإذا لم يدر بمكان موته ، فكيف يدري مكان موت أحد ووقته ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية