الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الشرك في العادات ، والأفعال

والشيء الرابع : أن الله تعالى أمر عباده ، وكلفهم بأن يذكروه سبحانه في جميع أمورهم الدنيوية ، ولا ينسوه أبدا ، أو يعظموه دائما ليصح إيمانهم ، ولا يدخله الشرك ، وتحصل البركة في أمورهم ، وينحل بذلك مشكلهم ، وتسهل مصاعبهم في الأوقات المعضلة ، والحالات الصعبة ؛ كالنذر له سبحانه ، ودعائه عند حلول البلية ، والبداية باسمه الشريف عند فعل كل فعل ، والأخذ في كل أمر ذي بال ، وإذا ولد لأحد ذكر ، أو أنثى يذبح حيوانا على اسمه تعالى ، ويسميه : عبد الله ، أو عبد الرحمن ، أو خدا بخش ، أو إله ديا ، أو أمة الله ، أو إله دي .

ويجعل من الحرث ، والبستان شيئا له ، وكذا في قطيعة الغنم ، ومن الأنعام ، وبعث الهدي إلى بيته الحرام ، والائتمار بأمره ، والانتهاء بنهيه في المأكل ، والمشارب ، والمناكح ، والمساكن ، والمراكب ، وفي كل شيء .

فما أمر به يأتي به ، وما نهي عنه ينتهي عنه ما استطاع .

وكل ما يحدث من الخصب ، والجدب ، والصحة ، والسقم ، والعافية ، والمرض ، والفتح ، والهزيمة ، والإقبال ، والإدبار ، والراحة ، والغم ، والفرح ، والترح ، والعسر ، واليسر ، والثروة ، والجاه ، ونقص الأنفس ، والثمرات ، وحياة الأولاد ، ومماتها .

فهذا كله من الله تعالى ، وبإرادته ، ومشيئته ، وقدره ، وقضائه .

ليس شيء من هذه بيد أحد غيره ، كائنا من كان ، وفي أي مكان كان ، وفي [ ص: 297 ] أي رتبة من مراتب الصلاح ، والتقوى ، أو الفسوق ، والفجور ظهر .

وإذا أراد أن يفعل شيئا ، فليقل : إن شاء الله تعالى ، فيقدم ذكر إرادة الله تعالى على إرادة نفسه .

كيف وقد قال تعالى : وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الإنسان : 30] .

فيقول عند إرادة شيء من الأشياء : إن شاء الله أفعل كذا ، وأعمل كذا ، وأصنع كذا ، ويسميه على وجه يظهر منه تعظيم اسمه وذكره -تعالى شأنه - .

ويفهم منه مالكيته ، وعبودية هذا القائل بذلك ؛ كقوله : إن شاء ربنا ، ومالكنا ، وخالقنا ، ورازقنا .

وإذا حلف ، فليحلف به سبحانه ، لا بغيره ؛ لأن من حلف بغير الله ، فقد أشرك .

فمثل هذه الأمور جعلها الله تعالى لتعظيمه ، وإجلاله ، وتكريمه خاصة له .

فمن صنع هذا بأحد من الأنبياء ، أو الأولياء ، أو الأئمة ، والشهداء ، أو الجن ، والطواغيت ، والشياطين ، والخبث والخبائث ، كما ينذر لهم مثلا عند الإشكال ، وإعضال الحال ، أو يغوث باسمه في شدائد الأمور ، أو يوجب على نفسه النذر له عند ولادة الأولاد ، أو يسميها بعبد النبي ، أو عبد الرسول ، أو عبد الحسن ، أو عبد الحسين ، أو إمام بخش ، أو بير بخش ، أو يجعل شيئا من حرثه ، وبستانه لهم ، ويقدم نصيبهم من الحرث والفواكه عند الحصاد والجني ، ثم يبذله في حاجاته .

أو يجعل شركا لهم في قطائع الأغنام ، والأنعام ، ويسيبها على أسمائهم ، ويتأدب معها ، ولا يدفعها من الماء والحبوب ، ولا يضربها لا بالحجر ، ولا بالمدر ، ولا بالخشب ، ولا بالعصا .

أو يستند في المأكل ، والمشارب ، والملابس بالرسوم الواهية المنقولة عن الآباء والأجداد ، والأقارب ، والعشائر ، والشيوخ ، والأساتذة ، والعلماء الجامدين على تقليد الأسلاف . [ ص: 298 ]

ويقول : لا يجوز لفلان أكل الطعام الفلاني ، وكذا الثوب الفلاني ، واللباس الفلاني .

كما يقال : لا يأكل من القصعة التي هي على اسم حضرة الخاتون ؛ يعني : فاطمة الزهراء -رضي الله عنها - الرجال ، ولا الإماء ، ولا المرأة التي نكحت ثانية ، ولا يأكل زاد شاه عبد الحق من يستعمل القليان ، كل ما يعتري من الخير والشر في هذه الدنيا ينسبه إليهم ، فيقول : جن فلان بلعنة الشيخ الفلاني ، واحتاج فلان لطرد الشيخ الفلاني ، وبلغ العلا بعناية الشيخ الفلاني ، وحصل الفتح وجاء الإقبال بأفضال الولي الفلاني .

وكان القحط من نوء كذا وكذا .

وكان الأمر الفلاني بسبب الكوكب الفلاني ، وبتأثيره .

ولم تحصل الحاجة الفلانية لأنها شرعت في ساعة كذا ، ووقت كذا .

أو يقول : إن شاء الله ، وشاء الرسول يكون كذا ، أو : إن شاء الشيخ الفلاني ، أو الولي الفلاني يكون هذا الأمر ، وإن لم يشأ لا يكون .

أو يقول في محاورته : يا مالك الملك ! أو : يا ملك الملوك ! أو : يا رازق ! أو ما في معنى هذا من ألفاظ اللغة الفارسية ، والهندية ، كخدا وندخدائكان ، وشاهنشاه ، وأن داتا ، ومهاراج .

أو يحلف عند الحاجة باسم نبي ، أو ولي ، أو ملك ، أو سلطان ، أو إمام ، أو شيخ ، أو أستاذ ، أو باسم الوالد ، والجد ، أو برأس أحد ، أو بقبره ، ونحو ذلك.

فهذا كله شرك ، ويقال له : الإشراك في العادات .

يعني : يعظم غيره تعالى في مجاري عاداته ، وفحاوي حالاته ، ومطاوي خطاباته كتعظيم الله تعالى . [ ص: 299 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية