الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 432 ] آ. (19) قوله: هاؤم : أي: خذوا. وفيها لغات، وذلك أنها تكون فعلا صريحا، وتكون اسم فعل، ومعناها في الحالين خذ. فإن كانت اسم فعل وهي المذكورة في الآية الكريمة ففيها لغتان: المد والقصر تقول: ها درهما يا زيد، وهاء درهما. ويكونان كذلك في الأحوال كلها من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، وتتصل بهما كاف الخطاب اتصالها باسم الإشارة، فتطابق مخاطبك بحسب الواقع، مطابقتها وهي ضميره، نحو: هاك هاءك، هاك هاءك إلى آخره، وتخلف كاف الخطاب همزة "هاء" مصرفة تصرف كاف الخطاب، فتقول: هاء يا زيد، وهاء يا هند، هاؤما، هاؤم، هاؤن، وهي لغة القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا كانت فعلا صريحا لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها كان فيها ثلاث لغات، إحداها: أن تكون مثل: عاطى يعاطي. فيقال: هاء يا زيد، هائي يا هند، هائيا يا زيدان، أو يا هندان، هاؤوا يا زيدون، هائين يا هندات. الثانية: أن تكون مثل "هب" فتقول: هأ، هئي، هآ، هؤوا، هأن. مثل: هب، هبي، هبا، هبوا، هبن.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالثة: أن يكون مثل: خف أمرا من الخوف فيقال: هأ، هائي، هاءا، هاؤوا، هأن، مثل: خف، خافي، خافا، خافوا، خفن.

                                                                                                                                                                                                                                      واختلف في مدلولها: فالمشهور أنها بمعنى خذوا. وقيل: معناها تعالوا، فيتعدى بـ "إلى". وقيل: هي كلمة وضعت لإجابة الداعي عند الفرح والنشاط. وفي الحديث: "أنه ناداه أعرابي بصوت عال، فجاوبه [ ص: 433 ] النبي صلى الله عليه وسلم: هاؤم بصولة صوته"، ومن كونها بمعنى "خذ" الحديث في الربا: "إلا هاء وهاء" أي: يقول كل واحد من المتبايعين: خذ. وقيل معناها اقصدوا. وزعم هؤلاء أنها مركبة من ها التنبيه وأموا من الأم، وهو القصد فصيره التخفيف والاستعمال إلى هاؤم. وقيل الميم ضمير جماعة الذكور. وزعم القتبي أن الهمزة بدل من الكاف، فإن عنى أنها تحل محلها فصحيح. وإن عنى البدل الصناعي فليس بصحيح.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: هاؤم يطلب مفعولا يتعدى إليه بنفسه، إن كان بمعنى خذ أو اقصد، وبـ "إلى" إن كان بمعنى تعالوا. و "اقرءوا" يطلبه أيضا فقد تنازعا في "كتابيه" وأعمل الثاني للحذف من الأول. وقد تقدم تحقيق هذا في سورة الكهف وفي غيرها. والهاء في "كتابيه وحسابيه وسلطانيه وماليه" للسكت، وكان حقها أن تحذف وصلا، وتثبت وقفا، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف، أو وصل بنية الوقف في "كتابيه وحسابيه" اتفاقا فأثبت الهاء، وكذلك في "ماليه وسلطانيه"، و"ما هيه" في " القارعة " عند القراء كلهم إلا حمزة رحمه الله فإنه حذف الهاء من هذه الكلم الثلاث وصلا وأثبتها وقفا; لأنها في الوقف يحتاج إليها لتحصين حركة الموقوف عليه، وفي الوصل يستغنى عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      فإن قيل: فلم لم يفعل ذلك في "كتابيه وحسابيه" فالجواب: أنه جمع بين اللغتين، [ ص: 434 ] هذا في القراءات السبع. وقرأ ابن محيصن بحذفها في الكلم كلها وصلا ووقفا، إلا في "القارعة"، فإنه لم يتحقق عنه فيها نقل. وقرأ الأعمش وابن أبي إسحاق بحذفها فيهن وصلا، وإثباتها وقفا. وابن محيصن يسكن الياء في الكلم المذكورة وصلا. والحق أنها قراءة صحيحة أعني ثبوت هاء السكت وصلا، لثبوتها في خط المصحف الكريم، فلا يلتفت إلى قول الزهراوي: "إن إثباتها في الوصل لحن، لا أعلم أحدا يجيزه". وقد تقدم الكلام على هاء السكت في البقرة. والأنعام بأشبع من هذا فعليك باعتباره.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية