الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل .

[40] حتى إذا جاء أمرنا أي: وقت الوعد بإهلاكهم. واختلاف القراء في حكم الهمزتين من قوله (جاء أمرنا) في هذا الحرف وجميع ما في [ ص: 341 ] السورة كاختلافهم فيها من قوله: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم [النساء: 5] في سورة النساء.

وفار التنور أي: جاش بالماء، وهو تنور الخبز في قول الأكثر، وكان هو الآية بين نوح وبين ربه، واختلف في موضع التنور، فقيل: بالكوفة، وقيل: بالشام بموضع يقال له عين وردة، وقيل غير ذلك.

قلنا احمل فيها أي: في السفينة.

من كل زوجين صنفين من الحيوان.

اثنين ذكرا وأنثى، وقيل لهما: زوجان؛ لأن كل واحد منهما يقال له: زوج؛ لأنه لا بد لأحدهما من الآخر. قرأ حفص عن عاصم: (من كل) بالتنوين؛ أي: من كل صنف زوجين، اثنين ذكره تأكيدا، والباقون: بغير تنوين على الإضافة على معنى: احمل اثنين من كل زوجين، والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد.

وعند فوران التنور حشر الحيوان لنوح عليه السلام، فجعل يضرب بيديه فيقع الذكر في اليمنى، والأنثى في اليسرى، فيلقيهما في السفينة، وروي أن أول ما أدخل السفينة الدرة، وآخر ما أدخل الحمار، فتمسك الشيطان بذنبه، فزجره نوح فلم ينزجر، فقال له: ادخل ولو كان معك الشيطان، قال ابن عباس: "زلت هذه الكلمة على لسانه، فدخل الشيطان حينئذ"، وكان عند مؤخر السفينة، فلما كثرت أرواث الدواب، تأذى نوح من رائحتها، فأوحي إليه أن امسح على ذنب الفيل، ففعل، فخرج منه [ ص: 342 ] خنزير وخنزيرة، فكفيا نوحا وأهله ذلك الأذى، فلما وقع الفأر يخرب السفينة ويقرض حبالها، أوحي إليه أن اضرب بين عيني الأسد، ففعل، فعطس، فخرج منه هر وهرة، فكفياهم الفأر، وروي أن الحية والعقرب أتيا نوحا، فقالتا: احملنا، فقال: إنكما سبب الضرر والبلاء فلا أحملكما، قالتا: احملنا ونحن نضمن لك ألا نضر أحدا ذكرك، فمن قرأ حين خاف مضرتهما: سلام على نوح في العالمين [الصافات: 79] ما ضرتاه.

وأهلك أي: واحمل أهلك من النسب إلا من سبق عليه القول بالهلاك، وهو كنعان، وامرأتك واعلة مستثنى من الأهل.

ومن آمن أي: واحمل من آمن بك، قال الله تعالى:

وما آمن معه إلا قليل وهم بنوه الثلاثة سام وحام ويافث، وثلاث نسوة لهم، وامرأة نوح غير الهالكة، وتقدم في سورة الأعراف أن من آمن به كانوا أربعين رجلا، وأربعين امرأة، وهم الذين نجوا معه في السفينة، وفي ذلك خلاف، والله أعلم.

* * *

التالي السابق


الخدمات العلمية