الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( صالح أحد الورثة وأبرأه إبراء عاما ) أو قال لم يبق لي حق من تركة أبي عند الوصي أو قبضت الجميع ونحو ذلك ( ثم ظهر في ) يد وصيه من ( التركة شيء لم يكن وقت الصلح ) وتحققه ( تسمع دعوى حصته منه على الأصح ) صلح البزازية ولا تناقض لحمل قوله لم يبق لي حق أي مما قبضته على أن الإبراء [ ص: 624 - 625 ] عن الأعيان باطل وحينئذ فالوجه عدم صحة البراءة كما أفاده ابن الشحنة واعتمده الشرنبلالي وسنحققه في الصلح . .

التالي السابق


( قوله : أو قال ) عطف على صالح لأنها مسألة أخرى في أوائل الثلث الثالث من فتاوى الحانوتي كلام طويل في البراءة العامة فراجعه . وفي الخانية : وصي الميت إذا دفع ما كان في يده من تركة الميت إلى ولد الميت وأشهد الولد على نفسه أنه قبض التركة ، ولم يبق من تركة والده قليل ولا كثير إلا قد استوفاه ثم ادعى في يد الوصي شيئا ، وقال من تركة والدي وأقام على ذلك بينة ، وكذا لو أقر الوارث أنه قبض جميع ما على الناس من تركة والده ثم ادعى على رجل دينا لوالده تسمع دعواه .

قلت : ووجه سماعها أن إقرار الولد لم يتضمن إبراء شخص معين وكذا إقرار الوارث بقبضه جميع ما على الناس ليس فيه إبراء ولو تنزلنا للبراءة فهي غير صحيحة في الأعيان شرح وهبانية للشرنبلالي ، وفيه نظر لأن عدم صحتها معناه أن لا تصير ملكا للمدعى عليه وإلا فالدعوى لا تسمع كما يأتي في الصلح ( قوله صلح البزازية ) وعبارة البزازية قال تاج الإسلام واحد صالح الورثة وأبرأ إبراء عاما ثم ظهر في التركة شيء لم يكن وقت الصلح لا رواية في جواز الدعوى : ولقائل أن يقول : تجوز دعوى حصته فيه وهو الأصح . ولقائل أن يقول لا ا هـ وللشرنبلالي رسالة سماها : تنقيح الأحكام في الإقرار والإبراء الخاص والعام . [ ص: 624 ] أجاب فيها بأن البراءة العامة بين الوارثين مانعة من دعوى شيء سابق عليها عينا أو دينا بميراث أو غيره ، وحقق ذلك بأن البراءة إما عامة كلا حق أو لا دعوى أو لا خصومة لي قبل فلان ، أو هو بريء من حقي أو لا دعوى لي عليه أو لا تعلق لي عليه أو لا أستحق عليه شيئا أو أبرأته من حقي أو مما لي قبله ، وإما خاصة بدين خاص كأبرأته من دين كذا أو عام كأبرأته مما لي عليه ، فيبرأ عن كل دين دون العين ، وإما خاصة بعين فتصح لنفي الضمان لا الدعوى فيدعي بها على المخاطب وغيره ، وإن كان عن دعواها فهو صحيح .

ثم إن الإبراء لشخص مجهول لا يصح ، وإن لمعلوم صح ، ولو بمجهول فقوله : قبضت تركة مورثي كلها أو : كل من لي عليه شيء أو دين فهو بريء ليس إبراء عاما ولا خاصا بل هو إقرار مجرد لا يمنع من الدعوى لما في المحيط قال : لا دين لي على أحد ثم ادعى على رجل دينا صح لاحتمال وجوبه بعد الإقرار ، وفيه أيضا : وقوله هو بريء مما لي عنده إخبار عن ثبوت البراءة لا إنشاء ، وفي الخلاصة لا حق لي قبله فيدخل فيه كل عين ودين وكفالة وإجارة وجناية وحد ا هـ وفي الأصل فلا يدعي إرثا ، ولا كفالة نفس أو مال ولا دينا أو مضاربة أو شركة أو وديعة أو ميراثا أو دارا أو عبدا أو شيئا إلا شيئا حادثا بعد البراءة ا هـ فما في شرح المنظومة عن المحيط أبرأ أحد الورثة الباقي ثم ادعى التركة وأنكر وإلا تسمع دعواه إن أقروا بالتركة أمروا بالرد عليه ا هـ ظاهر فيما إذا لم تكن البراءة عامة لما علمته ، ولما سنذكر أنه لو أبرأه عاما ثم أقر بعده بالمال المبرأ به لا يعود بعد سقوطه . وفي العمادية قال ذو اليد : ليس هذا لي وليس ملكي أو لا حق لي فيه ، أو نحو ذلك ولا منازع له حينئذ ، ثم ادعاه أحد فقال ذو اليد : هو لي فالقول له لأن الإقرار لمجهول باطل والتناقض إنما يمنع إذا تضمن إبطال حق على أحد ا هـ ومثله في الفيض وخزانة المفتين فبهذا علمت الفرق بين أبرأتك أو لا حق لي قبلك وبين قبضت تركة مورثي أو كل من لي عليه دين ، فهو بريء ، ولم يخاطب معينا ، وعلمت بطلان فتوى بعض أهل زماننا بأن إبراء الوارث وارثا آخر إبراء عاما لا يمنع من دعوى شيء من التركة .

وأما عبارة البزازية أي التي قدمناها فأصلها معزو إلى المحيط وفيه نظر ظاهر ، ومع ذلك لم يقيد الإبراء بكونه لمعين أو لا ، وقد علمت اختلاف الحكم في ذلك ثم إن كان المراد به اجتماع الصلح المذكور في المتون والشروح في مسألة التخارج مع البراءة العامة لمعين فلا يصح أن يقال فيه لا رواية فيه كيف وقد قال قاضي خان : اتفقت الروايات على أنه لا تسمع الدعوى بعده إلا في حادث وإن كان المراد به الصلح والإبراء بنحو قوله : قبضت تركة مورثي ولم يبق لي فيها حق إلا استوفيته ، فلا يصح قوله لا رواية فيه أيضا لما قدمناه من النصوص على صحة دعواه بعده ، واتفقت الروايات على صحة دعوى ذي اليد المقر بأن لا ملك له في هذا العين عند عدم المنازع . والذي يتراءى أن المراد من تلك العبارة الإبراء لغير معين مع ما فيه ، ولو سلمنا أن المراد به المعين ، وقطعنا النظر عن اتفاق الروايات على منعه من الدعوى بعده ، فهو مباين لما في المحيط عن المبسوط . والأصل والجامع الكبير ومشهور الفتاوى المعتمدة كالخانية والخلاصة ، فيقدم ما فيها ولا يعدل عنها إليه ; وأما ما في الأشباه والبحر عن القنية افترق الزوجان ، وأبرأ كل صاحبه عن جميع الدعاوى وللزوج أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها وله الدعوى ، لأن الإبراء إنما ينصرف إلى [ ص: 625 ] الديون لا الأعيان ا هـ فمحمول على حصوله بصيغة خاصة كقوله : أبرأتها عن جميع الدعاوى مما لي عليها فيختص بالديون فقط لكونه مقيدا بما لي عليها ويؤيده التعليل ، ولو بقي على ظاهره فلا يعدل عن كلام المبسوط والمحيط وكافي الحاكم المصرح بعموم البراءة لكل من أبرأ إبراء عاما إلى ما في القنية ا هـ .

هذا حاصل ما ذكره الشرنبلالي في رسالته وهي قريب من كراسين ، وقد أكثر فيها من النقول فمن أراد الزيادة فليرجع إليها وبه علم أنه ما كان ينبغي للمصنف أن يذكر ما في البزازية متنا ، وأما ما سيجيء آخر الصلح فليس فيه إبراء عام فتدبر وانظر شرح الملتقى في الصلح ( قوله : عن الأعيان ) سيأتي الكلام على ذلك في الصلح ( قوله في الصلح ) أي في آخره .




الخدمات العلمية