الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              العشرون : في بعض فتاويه صلى الله عليه وسلم في الجنايات والحدود .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد عن مربد بن عبد الله عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآمر والقاتل قال : «قسمت النار سبعين جزءا فللآمر تسع وستون وللقاتل جزء وحسبه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن عدي بن الخيار قال : إن المقداد بن عمرو الكندي أخبره أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة فقال : أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال : «لا تقتله» فقال : يا رسول الله ، إنه قطع إحدى يدي ، ثم قال ذلك بعد ما قطعها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تقتله ، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»

                                                                                                                                                                                                                              أي إباحة الدم ، لأن الكافر قبل أن يسلم مباح الدم ، فإذا أسلم فقتله أحد فإن قاتله مباح الدم . بحق القصاص ، لأنه بمنزلته في الكفر .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن بريدة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن هذا قتل أخي ، قال : «اذهب ، فاقتله كما قتل أخاك» ، فقال له الرجل : اتق الله ، واعف عني ، فإنه أعظم لأجرك ، وخير لك ولأخيك يوم القيامة ، قال : «فخلى عنه» ، قال : فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فأخبره بما قال له قال : فأعنفه أما إنه كان خيرا مما هو صانع بك يوم القيامة يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن ابن حارثة- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا ضرب رجلا على ساعده .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- وزيد بن خالد الجهني قالا : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ؟ قال : «إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها» . ثم بيعوها ولو بضفير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن سهل بن سعد- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا من أسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحده وتركها .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب- رضي الله تعالى عنه- قال : أتى ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجع فاستغفر الله وتب إليه» ، قال [ ص: 302 ] فرجع غير بعيد ، ثم جاء فقال : يا رسول الله ، طهرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك ، حتى إذا كانت الرابعة ، قال له رسول الله : «مم أطهرك ؟ » قال : من الزنا ، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبه جنون ؟ فأخبر أنه ليس بمجنون ، فقال : أشرب خمرا ؟ فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ، فقال : أزنيت ؟ قال : نعم ، فأمر به فرجم ، فلبثوا يومين أو ثلاثة ، ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «استغفروا لماعز بن مالك ، لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم» ، ثم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت : يا رسول الله ، طهرني ، فقال : «ويحك ارجعي ، فاستغفري الله وتوبي إليه» ، فقالت : تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك ، إنها حبلى من الزنا! فقال : أنت ؟ قالت : نعم ، قال لها : حتى تضعي ما في بطنك ، قال : فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قد وضعت الغامدية ، فقال : «إذن لا نرجمها ، وندع ولدها صغيرا ، ليس له من ترضعه ؟ » فقام رجل من الأنصار فقال : إلي رضاعه يا نبي الله ، قال فرجمها» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : قال سعد بن عبادة- رضي الله تعالى عنه- : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع أهلي رجلا لم أمسه حتى آتي بأربعة شهود ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم» قال : كلا ، والذي بعثك بالحق إن كنت لأعاجله بالسيف قبل ذلك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اسمعوا إلى ما يقول سيدكم . إنه لغيور وأنا أغير منه . والله أغير مني» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن سهل بن سعد ، قال جاء عويمر إلى عاصم بن عدي- رضي الله تعالى عنه- فقال : أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع ؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد أنزل القرآن فيك وفي صاحبتك ، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالملاعنة بما سمى الله في كتابه فلاعنها ، ثم قال : يا رسول الله ، إن حبستها فقد ظلمتها ، فطلقها فكانت سنة لمن بعدهما في المتلاعنين ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظروا فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين ، فلا أحسب عويمرا إلا قد صدق عليها ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أحسب عويمرا إلا قد كذب عليها . فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن زيد بن خالد الجهني وأبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، فقال : يا رسول الله ، اقض بكتاب الله فقام خصمه فقال : صدق ، اقض له يا رسول الله بكتاب الله ، إن ابني كان عسيفا على هذا ، فزنى بامرأته ، فأخبروني أن على ابني الرجم ، فافتديت بمائة من الغنم ووليدة ، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام . فقال : والذي نفسي بيده ، لأقضين بينكما بكتاب الله [ ص: 303 ]

                                                                                                                                                                                                                              أما الغنم والوليدة فرد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وأما أنت يا أنيس ، فاغد على امرأة هذا ، فارجمها فغدا أنيس فرجمها .


                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهما قد زنيا فقال : «ائتوني بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابني صوريا ، فنشدهما كيف أمر هذين في التوراة ؟ قالا : نجد في التوراة إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة رجما ، قال : «فما يمنعكما أن ترجموهما ؟ » قالا : ذهب سلطاننا فكرهنا القتل ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاءوا بأربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها ، مثل الميل في المكحلة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمهما .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن رجلا من بكر بن ليث أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقر بأنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة وكان بكرا ، ثم سأله النبي صلى الله عليه وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلده مائة ، وكان بكرا ، ثم سأله البينة على المرأة ، فقالت : كذب والله يا رسول الله ، فجلده رسول الله صلى الله عليه وسلم حد الفرية ثمانين .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن أبي أمية المخزومي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلص فاعترف ، ولم يوجد معه متاع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخالك سرقت ؟ قال : بلى ، مرتين أو ثلاثا ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقطعوه ، ثم جاءوا به قال فقطعوه ، ثم جاءوا به ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم قل : أستغفر الله ، وأتوب إليه قال : أستغفر الله ، وأتوب إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم ، تب عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبيهقي عن مسعود بن الأسود- رضي الله تعالى عنه- أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المخزومية التي سرقت قطيفة : يفديها يعني بأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن تطهر خير لها ، فأمر بها ، فقطعت يدها ، وهي من بني عبد الأسد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كم تقطع يد السارق ، قال : لا تقطع في ثمرة معلقة ، فإذا ضمه الجرين قطع في ثمن مجن ولا تقطع في حريسة الجبل فإذا ضمها المراح قطعت في ثمن مجن .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والنسائي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثمر المعلق ؟ قال : من سرق شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن صفوان بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال : بينا أنا راقد إذ جاء سارق ، فأخذ ثوبي فرفعناه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه ، فقلت : يا [ ص: 304 ]

                                                                                                                                                                                                                              رسول الله ، أفي حميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال : فهلا كان قبل أن تأتيني به .


                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والنسائي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه اشتكى رجل حتى أضني فعاد جلدة على عظم ، فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها ، فوقع عليها ، فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك ، وقال : استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني قد وقعت على جارية دخلت علي ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : ما رأينا بأحد من الناس من الضر مثل الذي هو به ، لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ، ما هو إلا جلد على عظم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ ، فيضربوه بها ضربة واحدة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- أن قوما قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد ، إن الذي تقول وتدعونا إليه حسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فأنزل الله عز وجل والذين لا يدعون مع الله إلها [الفرقان : 68] إلى آخر . . إلى فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات [الفرقان : 70] قال يبدل الله شركهم إيمانا ، وزناهم إحصانا ونزلت قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم [الزمر : 53] الآية .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية