الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم معهن ومداراته لهن وحثه على برهن ، والصبر عليهن ، ومحادثته لهن ، وصبره معهن رضي الله تعالى عنهن

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان والترمذي والنسائي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن أم سلمة أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحفة أو في قصعة وهو في بيت عائشة وفي رواية : فضربت عائشة يد الخادم فسقطت ورمت الصحفة بقهر ، فانفلقت ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول : غارت أمكم مرتين ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة ، فبعثها إلى أم سلمة ، وأعطى صحفة أم سلمة عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان والترمذي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى ، وفي لفظ : أيام منى ، وعندي جاريتان يغنيان بما تقالت الأنصار يوم بعاث ، قالت ، وليستا بمغنيتين تدفقان ، فاضطجع على فراشي ، وحول وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمار الشيطان ، وفي رواية أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهما لكل قوم عيد ، وهذا عيدنا ، فلما غفل غمزتهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب ، فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإما قال : «تشتهين تنظرين» ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه ، خدي على خده ، ويقول : دونكم يا بني أرفدة ، فزجرهم عمر ، فقال رسول الله : «أمنا يا بني أرفدة» حتى إذا مللت ، قال : حسبك ، قلت : نعم ، قال : فاذهبي ، قالت : فاقدروا قدر الجارية العربية الحديثة السن .

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن أبي أسامة والخرائطي وابن عساكر وأبو الحسن بن الضحاك عن عمرة بنت عبد الرحمن -رحمهما الله- قالت : سألت عائشة -رضي الله تعالى عنها- كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا مع نسائه ، قالت : كان كرجل من رجالكم ، إلا أنه كان أكرم الناس وأحسن الناس خلقا ، كان ضحاكا بساما صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو داود والطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن أبي عبد الله الجدلي -رحمه الله تعالى- قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ ص: 70 ] أهله ، قالت : كان أحسن الناس خلقا ، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا في الأسواق ، ولا يجزئ بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويصفح .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي وأبو بكر الشافعي وأبو يعلى وسنده حسن عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : زارتنا سودة يوما ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبينها فأتيت بحريرة فقلت لها : كلي ، فأبت ، فقلت : لتأكلين وإلا لطخت وجهك ، فأبت ، فأخذت من القصعة شيئا ، فلطخت به وجهها ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورفع رجله من حجرها ، وقال الطخي وجهها ، فأخذت شيئا من القصعة فلطخت به وجهي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ، فمر عمر فنادى ، يا عبد الله يا عبد الله ، فظن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيدخل ، فقال : قوما فاغسلا وجوهكما ، قالت عائشة : فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن ميمونة -رضي الله تعالى عنها- قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب ، فجاء يستفتح الباب ، فأبيت أن أفتح له ، قال : أقسمت عليك إلا فتحت لي ، فقلت له : تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي ، فقال : ما فعلت ولكن وجدت حقنا من بول .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : نزل عذري من السماء ، وكادت الأمة تهلك بسببي ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرج الملك ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي : اذهب إلى ابنتك فأخبرها أن الله تبارك وتعالى قد أنزل عذرها ، قال ، فأتاني أبي وهو يعدو يكاد أن يعثر ، فقال : أبشري يا بنية ، إن الله عز وجل قد أنزل عذرك من السماء ، قلت : نحمد الله لا نحمدك ، ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي ، فقلت بيده هكذا ، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني به فضحك ، فمنعه وضحك ، وقال : أقسمت عليك لا تفعل .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود برجال ثقات عنها قالت : بعثت صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام قد صنعته له وهو عندي ، فلما رأيت الجارية أخذتني رعدة حتى استقبلتني أفكل فضربت القصعة فرميت بها ، فعرفت الغضب في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلعنني اليوم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 71 ] وروى الطبراني بسند حسن عن عمرو بن حريث -رضي الله تعالى عنه- قال : كان زنج يلعبون بالمدينة فوضعت عائشة منكبها على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت تنظر إليهم .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى بسند لا بأس به وأبو الشيخ بن حيان بسند جيد قوي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت كان في متاعي خف ، وكان على جمل ناج ، وكان متاع صفية فيه ثقل ، وكان على جمل ثقال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حولوا متاع عائشة على جمل صفية ، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب» ، قلت : يا لعباد الله ، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أم عبد الله ، إن متاعك فيه خف ، وكان متاع صفية فيه ثقل ، فأبطأ الركب فحولنا متاعها على بعيرك وحولنا متاعك على بعيرها ، قالت : فقالت : ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أوفي شك ؟ أنت يا أم المؤمنين يا أم عبد الله ، قالت : قلت : ألست تزعم أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهلا عدلت ، وسمعني أبو بكر وكان فيه غرب –أي : حدة- فأقبل علي فلطم وجهي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مهلا يا أبا بكر» ، فقال : يا رسول الله ، أما سمعت ما قالت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه» ورواه الإمام أحمد بسند لا بأس به عن صفية رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية