الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ويصح الاستثناء من الاستثناء . فإذا قال " له علي سبعة إلا ثلاثة إلا درهما " لزمه خمسة ) . لأنه من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات . وجزم به في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم من الأصحاب ; لأنه أثبت سبعة . ثم نفى منها ثلاثة . ثم أثبت واحدا . وبقي من الثلاثة المنفية درهمان مستثنيان من السبعة . فيكون مقرا بخمسة . قوله ( وإن قال " له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة إلا درهمين إلا درهما " لزمه عشرة في أحد الوجوه ) . إن بطل استثناء النصف . والاستثناء من الاستثناء باطل ، بعوده إلى ما قبله لبعده ، كسكوته . قاله في الفروع . وهذا الوجه : اختاره أبو بكر . وصححه في التصحيح . وفي الآخر : يلزمه ستة . جزم به في الوجيز ، والمنور وبعده الناظم . قال الشارح : لأن الاستثناء إذا رفع الكل ، أو الأكثر : سقط ، إن وقف عليه .

[ ص: 178 ] وإن وصله باستثناء آخر : استعملناه . فاستعملنا الاستثناء الأول لوصله بالثاني ، لأن الاستثناء المستثنى عبارة عما بقي . فإن عشرة إلا درهما عبارة عن تسعة . فإذا قال " له علي عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة " صح استثناء الخمسة . لأنه وصلها باستثناء آخر . ولذلك صح استثناء الثلاثة والدرهمين ; لأنه وصل ذلك باستثناء آخر . والاستثناء من الإثبات نفي ، ومن النفي إثبات . فصح استثناء الخمسة . وهي نفي . فبقي خمسة . وصح استثناء الثلاثة ، وهي إثبات . فعادت ثمانية . وصح استثناء الدرهمين . وهي نفي فبقي ستة . ولا يصح استثناء الدرهم ; لأنه مسكوت عنه . قال : ويحتمل أن يكون وجه الستة : أن يصح استثناء النصف . ويبطل الزائد . فيصح استثناء الخمسة والدرهم . ولا يصح استثناء الثلاثة والاثنين انتهى . وقال ابن منجى في شرحه : وعلى قولنا يصح استثناء النصف . ولا يبطل الاستثناء من الاستثناء ببطلان الاستثناء ، يلزمه ستة ; لأنه إذا صح استثناء الخمسة من العشرة بقي خمسة . واستثناء الثلاثة من الخمسة لا يصح ; لكونها أكثر ، فيبطل ، ويلي قوله " إلا درهمين " قوله " إلا خمسة " فيصح . فيعود من الخمسة الخارجة درهمان . خرج منها درهم بقوله " إلا درهما " بقي درهم ، فيضم إلى الخمسة تكون ستة . انتهى . وهو مخالف لتوجيه الشارح في الوجهين . وفي الوجه الآخر : يلزمه سبعة . وهو مبني على صحة الاستثناءات كلها . والعمل بما تئول إليه .

فإذا قال " عشرة إلا خمسة " نفى خمسة . [ ص: 179 ] فإذا قال " إلا ثلاثة " عادت ثمانية ; لأنها إثبات . فإذا قال " إلا درهمين " كانت نفيا ، فيبقى ستة . فإذا قال " إلا درهما " كان مثبتا . صارت سبعة . قاله الشارح . وهو واضح . وقال ابن منجى : وعلى قولنا : لا يصح استثناء النصف ، ولا يبطل الاستثناء من الاستثناء : يلزمه سبعة . لأن استثناء الخمسة من العشرة لا يصح . واستثناء الدرهمين من الثلاثة لا يصح . واستثناء الدرهم من الدرهمين لا يصح . بقي قوله " إلا ثلاثة " صحيحا . فتصير بمنزلة قوله " إلا عشرة ، إلا ثلاثة " فيلزمه سبعة . انتهى . وهذه طريقة أخرى في ذلك . وهو مخالف للشارح أيضا .

( وفي الوجه الآخر : يلزمه ثمانية ) . قال الشارح ; لأنه يلغي الاستثناء الأول ; لكونه النصف . فإذا قال " إلا ثلاثة " كانت مثبتة . وهي مستثناة من الخمسة . وقد بطلت . فتبطل الثلاثة أيضا . ويبقى الاثنان ; لأنها نفي ، والنفي يكون من إثبات . وقد بطل الإثبات في التي قبلها . فتكون منفية من العشرة ، يبقى ثمانية . ولا يصح استثناء الواحد من الاثنين ; لأنه نصف . انتهى . وقال ابن منجى في شرحه : وعلى قولنا : لا يصح استثناء النصف ، ويبطل الاستثناء من الاستثناء ببطلان الاستثناء : يلزمه ثمانية ; لأن استثناء الخمسة لا يصح . وإذا لم يصح ذلك : ولي المستثنى منه قوله " إلا ثلاثة " . فينبغي أن يعمل عمله ، لكن وليه قوله " إلا درهمين " ولا يصح ; لأنه أكثر . وإذا لم يصح ولي قوله " إلا درهما " قوله " إلا ثلاثة " . فعاد منها الدرهم إلى السبعة الباقية . فيصير المجموع ثمانية . انتهى [ ص: 180 ] فخالف الشارح أيضا في توجيهه . وكلام الشارح أقعد . ويأتي كلامه في النكت لتوجيه هذه الأوجه كلها وما نظر عليه منها . وفي المسألة وجه خامس : يلزمه خمسة إن صح استثناء النصف . جزم به ابن عبدوس في تذكرته . وقدمه في النظم ، والرعايتين . ، والحاوي الصغير . وقال في الفروع : والأشبه إن بطل النصف خاصة : فثمانية . وإن صح فقط : فخمسة . وإن عمل بما يئول إليه جملة الاستثناءات : فسبعة . انتهى .

وهو كما قال . وقال في المحرر : فهل يلزمه إذا صححنا استثناء النصف خمسة ، أو ستة ؟ على وجهين . وإذا لم نصححه : فهل يلزمه عشرة ، أو ثمانية ؟ على وجهين . وقيل : يلزمه سبعة عليهما جميعا . وقال في المغني في مسألة المصنف : بطل الاستثناء كله على أحد الوجهين . وصح في الآخر . فيكون مقرا بسبعة . انتهى . وقال في النكت على وجه لزوم الخمسة إذا قلنا بصحة استثناء النصف ; لأن استثناء النصف صحيح ، واستثناء ثلاثة من خمسة باطل فيبطل ما بعده . وعلى وجه لزوم الستة ; لأن استثناء النصف صحيح ، واستثناء ثلاثة من خمسة باطل وجوده كعدمه . واستثناء اثنين من خمسة صحيح . فصار المقر به : سبعة . ثم استثني من الاثنين واحد . يبقى ستة . وعلى الوجه الثالث : الكلام بآخره . ويصح الاستثناءات كلها . فيلزمه سبعة . وهو واضح [ ص: 181 ] قال : وألزمه بعضهم على هذا الوجه بستة ، بناء على أن الدرهم مسكوت عنه ولا يصح استثناؤه . قال : وفيه نظر . وأراد بذلك والله أعلم الشارح . على ما تقدم من تعليله .

وقال عن وجه الثمانية : لأن استثناء الخمسة باطل ، واستثناء الثلاثة من غيره صحيح ، يبقى سبعة . واستثناء الاثنين باطل ، واستثناء واحد من ثلاثة صحيح ، يزيده على سبعة . وقال بعضهم على هذا الوجه استثناء خمسة وثلاثة باطل . واستثناء اثنين من عشرة صحيح . واستثناء واحد من اثنين باطل . قال : وفيه نظر . وقال عن قوله " وقيل يلزمه سبعة عليهما جميعا " أي سواء قلنا : يصح استثناء النصف ، أو لا . وهذا بناء على الوجه الثالث . وهو تصحيح الاستثناءات كلها . على ما تقدم . قال : وحكاية المصنف هذا الوجه بهذه العبارة : فيها شيء . وأحسبه لو قال : وعلى الوجه الثالث يلزمه سبعة : كان أولى .

تنبيه مبنى ذلك : إذا تخلل الاستثناءات استثناء باطل . فهل يلغى ذلك الاستثناء الباطل وما بعده ، أو يلغى وحده ويرجع . ما بعده إلى ما قبله ؟ وجزم به في المغني . قاله في تصحيح المحرر . أو ينظر إلى ما يئول إليه جملة الاستثناءات ؟ . اختاره القاضي . قاله في تصحيح المحرر ، فيه أوجه . [ ص: 182 ] وأطلقهما في المحرر ، والطوفي في شرح مختصره في الأصول ، وصاحب القواعد الأصولية . قال في الرعايتين ، والحاوي : لو استثنى ما لا يصح ، ثم استثنى منه شيئا : بطلا . وقيل : يرجع ما بعد الباطل إلى ما قبله . وقيل : يعتبر ما يئول إليه جملة الاستثناءات . زاد في الكبرى : وقيل : إن استثنى الكل أو الأكثر ، واستثنى من الاستثناء دون النصف الأول : صح . وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية