الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( والسادس : العدالة ، وهي استواء أحواله في دينه ، واعتدال أقواله وأفعاله ) ، تقدم في " باب طرق الحكم وصفته " أن الصحيح من المذهب : اعتبار العدالة في البينة ظاهرا وباطنا ، فيعتبر استواء أحواله في دينه ، واعتدال أقواله وأفعاله ، وهذا المذهب ، بلا ريب ، وقيل : العدل من لم تظهر منه ريبة ، وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله ، واختيار الخرقي عند القاضي وجماعة ، وتقدم ذلك ، وذكر أبو محمد الجوزي ، في العدالة : اجتناب الريبة وانتفاء التهمة ، زاد في الرعاية : وفعل ما يستحب ، وترك ما يكره .

فائدة :

العاقل من عرف الواجب عقلا ، الضروري وغيره ، والممتنع والممكن ، وما يضره وما ينفعه غالبا ، والعقل : نوع علم ضروري إنساني . ومحل ذلك الأصول ، والإسلام : الشهادتان نطقا أو حكما ، تبعا أو بدار ، مع التزام أحكام الدين ، قاله الأصحاب .

تنبيه :

ظاهر قوله ( ويعتبر لها شيئان الصلاح في الدين ، وهو أداء الفرائض ) ، أن أداء الفرائض وحدها يكفي ولو لم يصل سننها ، وهو الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع ، [ ص: 44 ] وهو ظاهر كلامه في المذهب ، وذكر القاضي ، وصاحب التبصرة ، والترغيب ، والمحرر ، والنظم ، والوجيز ، وغيرهم ، أداء الفرائض بسننها الراتبة ، وقال في الهداية ، والمستوعب ، والخلاصة : بسننها ، ولم يذكر " الراتبة " وقد أومأ الإمام أحمد رحمه الله إلى ما ذكره القاضي ، والجماعة ، كقوله فيمن يواظب على ترك سنن الصلاة : رجل سوء ، ونقل أبو طالب : لو ترك سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن ترك سنة من سننه : فهو رجل سوء ، وقال القاضي : يأثم ، قال في الفروع : ومراده لأنه لا يسلم من ترك فرض ، وإلا فلا يأثم بترك سنة ، وإنما قال هذا الإمام أحمد رحمه الله فيمن تركها طول عمره ، أو أكثره ، فإنه يفسق بذلك وكذلك جميع السنن الراتبة إذا داوم على تركها ; لأنه بالمداومة يكون راغبا عن السنة ، وتلحقه التهمة بأنه غير معتقد لكونها سنة ، وكلام الإمام أحمد رحمه الله خرج على هذا ، وكذا قال في الفصول : الإدمان على ترك هذه السنن غير جائر ، واحتج بقول الإمام أحمد رحمه الله في الوتر ، وقال بعد قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى في الوتر : وهذا يقتضي أنه يحكم بفسقه ، قلت : فيعايى بها على قول القاضي وابن عقيل ، ونقل جماعة من ترك الوتر فليس بعدل وقاله الشيخ تقي الدين رحمه الله في الجماعة ، على أنها سنة ; لأنه يسمى ناقص الإيمان [ ص: 45 ]

وقال في الرعاية : وترد شهادة من أكثر من ترك السنن الراتبة . قوله ( واجتناب المحارم ، وهو أن لا يرتكب كبيرة ، ولا يدمن على صغيرة ) وهو المذهب ، جزم به في المحرر ، والوجيز ، وتذكرة ابن عبدوس ، وغيرهم ، وقدمه في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والنظم ، وقيل : أن لا يظهر منه إلا الخير ، وقيل : أن لا يتكرر منه صغيرة ، وقيل : ثلاثا ، وقطع به في آداب المفتي والمستفتي ، وأطلقهن في الفروع ، وقال في الترغيب : بأن لا يكثر من الصغائر ، ولا يصر على واحدة منها ، وعنه : ترد الشهادة بكذبة واحدة ، وهو ظاهر كلامه في المغني ، واختاره الشيخ تقي الدين رحمه الله ، قال ابن عقيل : اختاره بعضهم . وقاس عليه بقية الصغائر ، وهو بعيد ; لأن الكذب معصية فيما تحصل به الشهادة ، وهو الخبر ، قاله في الفروع ، وأطلقهما في المحرر ، وأخذ القاضي ، وأبو الخطاب من هذه الرواية : أن الكذب كبيرة ، وجعل ابن حمدان في الرعاية : الروايتين في الكذب : وأورد ذلك مذهبا ، قال الزركشي : وفيه نظر ، وقال أيضا : ولعل الخلاف في الكذبة للتردد فيها : هل هي كبيرة أو صغيرة ؟ وأطلق في المحرر الروايتين في رد الشهادة بالكذبة الواحدة ، [ ص: 46 ] وظاهر الكافي : أن العدل من رجح خيره ولم يأت كبيرة ; لأن الصغائر تقع مكفرة أولا فأولا ، فلا تجتمع ، قال ابن عقيل : لولا الإجماع لقلنا به ، وظاهر كلام القاضي في العمدة : أنه عدل ولو أتى كبيرة ، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : صرح به في قياس الشبهة ، وعنه فيمن أكل الربا إن أكثر لم نصل خلفه ، قال القاضي ، وابن عقيل : فاعتبر الكثرة ، وقال في المغني : إن أخذ صدقة محرمة وتكرر : ردت شهادته ، وعنه فيمن ورث ما أخذه موروثه من الطريق هذا أهون ، ليس هو أخرجه ، وأعجب إلى أن يرده ، وعنه أيضا : لا يكون عدلا حتى يرد ما أخذ ، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله : من شهد على إقرار كذب مع علمه بالحال " ، أو تكرر نظره إلى الأجنبيات والقعود له بلا حاجة شرعية : قدح في عدالته ، قال : ولا يستريب أحد فيمن صلى محدثا ، أو لغير القبلة ، أو بعد الوقت ، أو بلا قراءة : أنه كبيرة .

فائدة :

" الكبيرة " ما فيه حد أو وعيد نص عليه ، وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله : هي ما فيه حد أو وعيد ، أو غضب أو لعنة أو نفي الإيمان ، وقال في الفصول ، والغنية والمستوعب : الغيبة والنميمة من الصغائر ، وقال القاضي في معتمده : معنى " الكبيرة " أن عقابها أعظم " والصغيرة " أقل ، ولا يعلمان إلا بتوقيف . وقال ابن حامد : إن تكررت الصغائر من نوع أو أنواع ، فظاهر المذهب : تجتمع وتكون كبيرة ، [ ص: 47 ] ومن أصحابنا من قال : لا تجتمع ، وهو شبيه مقالة المعتزلة

التالي السابق


الخدمات العلمية