الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب وكان يأكل البطيخ بالخبز وبالسكر وربما أكله .

بالرطب ويستعين باليدين جميعا وأكل يوما الرطب في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرت شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة وكان ربما أكل العنب خرطا يرى رؤاله على لحيته كخرز اللؤلؤ .

التالي السابق


(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب) البطيخ معروف ، وبتقديم الطاء على الباء لغة فيه، وهل المراد به الأصفر أو الأخضر مختلف فيه ، كان يأكل هذا بهذا رفعا لضرر كل منهما بالآخر .

قال العراقي : روى أبو نعيم في الطب النبوي من رواية أمية بن زيد العبسي " أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب من الفاكهة العنب والبطيخ " وروى ابن عدي من حديث عائشة : " فإن خير الفاكهة العنب "، وسنده ضعيف اهـ .

قلت: وقد روى ابن عدي هذا الحديث الذي ساقه المصنف بهذا اللفظ في ترجمة عباد بن كثير الثقفي ، وهو ضعيف ، وساقه أيضا الذهبي في ميزانه في ترجمته ، ونقل تضعيفه عن جماعة ، وكذلك أبو عمر النوقاني في كتاب البطيخ من حديث أبي هريرة .

(وكان) -صلى الله عليه وسلم- (يأكل البطيخ بالخبز) قال العراقي : لم أره وإنما وجدت أكله العنب بالخبز في حديث عائشة عند ابن عدي بسند ضعيف .

(و) يأكل تارة (بالسكر) قال العراقي : إن أريد بالسكر نوع من التمر والرطب مشهور فهو الحديث الآتي بعده ، وإن أريد بالسكر الذي هو بطبرزد فلم أر له أصلا إلا في حديث منكر معضل ، رواه أبو عمر النوقاني في كتاب البطيخ ، من رواية محمد بن علي بن الحسين "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل بطيخا بسكر"، وفيه موسى بن إبراهيم المروزي ، كذبه يحيى بن معين اهـ .

قلت: قال في المصباح: السكر نوع من الرطب شديد الحلاوة ، قال أبو حاتم في كتاب النخلة : نخل السكر الواحدة سكرة، وقال الأزهري: التمر نخل السكر ، وهو معروف عند أهل البحرين ، فإن كان المراد بالسكر هنا هو الطبرزدي فيتعين أن يكون المراد بالبطيخ هو الأصفر ، فإنه الذي يؤكل به مع احتمال إرادة الأخضر إلا أن ابن حجر ذكر في شرح الشمائل "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ير السكر"، وما ورد بأنه حضر [إملاك] بعض الأنصار ، فنثر على العروس بالسكر واللوز فلا أصل له (وربما أكله بالرطب) .

قال العراقي : رواه الترمذي والنسائي من حديث عائشة ، وحسنه الترمذي، ولابن ماجه من حديث سهل بن سعد [ ص: 119 ] كان يأكل الرطب بالبطيخ وهو عند الدارمي بلفظ البطيخ بالرطب ، وروى أبو الشيخ ، وابن عدي في الكامل ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الشعب من حديث أنس : "كان يأخذ الرطب بيمينه ، والبطيخ بيساره ، ويأكل الرطب بالبطيخ ، وكانا أحب الفاكهة إليه "، فيه يوسف بن عطية الصفار ، مجمع على ضعفه .

وروى ابن عدي من حديث عائشة : " كان أحب الفاكهة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الرطب والبطيخ "، وهو ضعيف أيضا اهـ .

قلت: ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن جعفر بلفظ: " كان يأكل البطيخ بالرطب "، وروى الطيالسي من حديث جابر بسند حسن : "كان يأكل الخبز بالرطب ويقول: هما الأطيبان"، وهذا يؤيد قول من قال: إن المراد بالبطيخ هو الأصفر ، وروى أبو داود ، والبيهقي من حديث عائشة :" كان يأكل البطيخ بالرطب ، ويقول: يكسر حر هذا ببرد هذا ، وبرد هذا بحر هذا "، قال ابن القيم : في البطيخ عدة أحاديث ، لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد .

(ويستعين باليدين جميعا) قال العراقي : رواه أحمد من حديث عبد الله بن جعفر ، قال آخر ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في إحدى يديه رطبات ، وفي الأخرى قثاء يأكل من هذه ، ويعض من هذه ، وتقدم حديث أنس في أكله بيديه قبل هذا بثلاثة أحاديث اهـ .

قلت: وتقدم أيضا أكله القثاء بالرطب بيديه من رواية الطبراني في الأوسط بنحوه ، قال العراقي : ولا يلزم من هذا لو ثبت أكله بشماله ، فلعله كان يأخذ بيده اليمنى من الشمال رطبة فيأكلها مع ما في يمينه فلا مانع من ذلك .

(وأكل) -صلى الله عليه وسلم- (يوما رطبا كان في يمينه ، وكان يحفظ النوى في يساره ، فمرت به شاة فأشار إليها بالنوى ، فجعلت تأكل من كفه اليسرى وهو يأكل بيمينه حتى فرغ وانصرفت الشاة) قال العراقي : هذه القصة رويناها في فوائد أبي بكر الشافعي من حديث أنس بإسناد ضعيف اهـ .

قلت: وروى الحاكم في الأطعمة من حديث أنس "كان يأكل الرطب ، ويلقي النوى على الطبق" وقال صحيح على شرطهما ، وأقره الذهبي ، (وربما أكل العنب خرطا) يقال: خرط العنقود وأخرطه إذا وضعه في فمه ، وأخذ حبه ، وخرج عرجونه عاريا .

وفي رواية ذكرها ابن الأثير خرصا بالصاد بدل الطاء ، أي من غير عدد (يرى رؤاله على لحيته كخرز اللؤلؤ) وهو ، أي الرؤال بالضم (الماء الذي يتقطر منه) .

قال العراقي : رواه ابن عدي في الكامل من حديث العباس والعقيلي في الضعفاء من حديث ابن عباس هكذا مختصرا وكلاهما ضعيف اهـ

قلت: وكذا رواه الطبراني في الكبير هو والعقيلي من طريق داود بن عبد الجبار ، عن ابن الجارود ، عن حبيب بن يسار ، عن ابن عباس رفعه: "كان يأكل العنب خرطا" قال العقيلي : داود ليس بثقة ولا يتابع عليه ، وأخرجه البيهقي في الشعب من طريقين ، ثم قال: ليس فيه إسناد قوي، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ، ولم يصب بل هو ضعيف .




الخدمات العلمية