الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما شعره فقد كان رجل الشعر حسنه ليس بالسبط ولا الجعد القطط وكان إذا مشطه بالمشط يأتي كأنه حبك الرمل .

وقيل : كان شعره يضرب منكبيه وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه ربما جعله غدائر أربعا تخرج ، كل أذن من بين غديرتين .

وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ .

وكان شيبه في الرأس واللحية ، سبع عشرة شعرة ما زاد على ذلك .

التالي السابق


(وأما شعره فقد كان) صلى الله عليه وسلم (رجل الشعرة حسنها) بسكون الجيم وكسرها ، (ليس بالسبط) بسكون الباء وكسرها ، (ولا الجعد القطط) بفتح الطاء الأولى وكسرهما [ ص: 148 ] أي شعره صلى الله عليه وسلم ، ليس بنهاية في الجعودة ، وهو تكسره الشديد ، ولا في السبوطة ، وهي عدم انكساره أصلا ، بل كان وسطا بينهما ، رواه مسلم والبيهقي في الدلائل ، من طريق علي بن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر ، عن ربيعة ، عن أنس ، ورواه البخاري ، ومسلم أيضا من طريق مالك ، وغيره عن ربيعة ، وروى البخاري عن مسلم بن إبراهيم ، وعمرو بن علي ، كلاهما عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن أنس ، قال : "شعره بين الشعرين ، لا سبط ، ولا جعد ، بين أذنيه وعاتقه " ، وروى البيهقي في الدلائل من طريق مسلم بن إبراهيم .

وفي رواية لمسلم من طريق قتادة عن أنس : "كان شعرا رجلا ليس بالجعد ، ولا بالسبط بين أذنه وعاتقه " ، روى الترمذي في الشمائل من حديث أبي هريرة : "كان أبيض كأنما صيغ من فضة رجل الشعر " .

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا مشط بالمشط) أي سرحه به (يأتي كأنه حبك الرمل) بضم الحاء المهملة ، والباء الموحدة ، هي طرائق الرمل ، وهذا يؤيد من فسر الرجل بالمتكسر قليلا ، ولا ينافي ذلك ما تقدم من الروايات ؛ لأن الرجولة أمر نسبي ، فحيث أثبتت أريد بها الأمر الوسط بين السبوطة والجعودة ، وحيث نفيت أريد بها السبوطة .

(وقيل : كان شعره) صلى الله عليه وسلم (يضرب منكبيه) مثنى منكب ، كمجلس ، وهو مجتمع رأس العضو ، والكتف ، روى الشيخان من حديث أنس : "كان شعره يضرب منكبيه " أخرجاه من طريق حبان ، عن همام ، عن أنس ، رواه البخاري من طريق أبي غثان ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، بلفظ " إن جمته تضرب قريبا من منكبيه " ، ورواه كذلك البيهقي في الدلائل ، ورواه مسلم من طريق أبي كريب ، عن وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن البراء بلفظ : "له شعر يضرب منكبيه " ، الحديث .

(وأكثر الرواية أنه كان إلى شحمة أذنيه) ، روى الشيخان من حديث البراء : "يبلغ شعره شحمة أذنيه " ، أخرجاه من طريق شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وروى البيهقي في الدلائل من طريق عبد الرزاق عن معمر ، عن ثابت ، عن أنس ، "كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى شحمة أذنيه " أي تكاثفها ، ينتهي إلى شحمة أذنيه ، وتقدم عن الصحيحين في حديث أنس ، "أنه كان بين أذنيه وعاتقه " ، وفي أخرى عند الترمذي وغيره فوق الجمة ، ودون الوفرة ، وفي رواية : إن انفرقت عقيقته فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه ، إذا هو وفره ، وفي أخرى ، كان إلى أذنيه ، وفي أخرى إلى كتفيه ، والجمع بين هذه الروايات : أن مما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمتها ، وما خلفها هو الذي يضرب منكبيه ، أو بأن ذلك لاختلاف الأوقات ، فكان إذا ترك تقصيرها بلغ المنكب ، وإذا قصرها كانت إلى الأذن ، أو شحمتها ، أو نصفها ، فكانت تطول وتقصر بحسب ذلك .

(وربما جعله غدائر أربعا ، يخرج كل أذن بين غديرتين) ، قال العراقي : روى أبو داود والترمذي ، وحسنه وابن ماجه من حديث أم هانئ ، "قدم مكة ، وله أربع غدائر " اهـ .

قلت : ورواه البيهقي في الدلائل من طريق سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : قالت أم هانئ قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم - مكة قدمة ، وله أربع غدائر تعني ضفائر ، والغديرة والضفيرة هي الذؤابة ، ولفظ الترمذي في الشمائل قدم مكة قدمة ، وشعره إلى أنصاف أذنيه ، وله أربع غدائر ، والظاهر أنها عنيت قدومه مكة عام الفتح ؛ لأنه حينئذ اغتسل وصلى الضحى في بيتها ، وقدماته إلى مكة أربع ، متفق عليها في عمرة القضاء والفتح ، ولما رجع من حنين دخلها حين اعتماره من الجعرانة ، وفي حجة الوداع .

(وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ) ، أي تضيء وتتنور من وبيص الطيب .

(وكان شيبه) صلى الله عليه وسلم (في الرأس واللحية ، سبع عشرة شعرة ما زاد على ذلك) ، رواه البيهقي في الدلائل من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، قيل له : هل كان شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : ما شانه الله تعالى بالشيب ، ما كان في رأسه إلا سبع عشرة أو ثمان عشرة شعرة ، هكذا هو في نسخة الدلائل عندي ، في لفظ له عنده : ما كان في رأسه ولحيته ولم أره في الدلائل ، وروى البخاري من طريق الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن ربيعة ، عن أنس ، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم - وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ، ورواه [ ص: 149 ] هو ومسلم أيضا من طريق مالك ، عن ربيعة ، وروى الترمذي في الشمائل ، من حديث ابن عمر ، "إنما كان شيبه صلى الله عليه وسلم نحوا من عشرين شعرة بيضاء " ، ولا منافاة بين الروايتين ؛ لأن الأربع عشرة دون العشرين ؛ لأنها أكثر من نصفها ، ومن زعم أنه دلالة لنحو الشيء على القرب منه ، فقد وهم ، ويجمع بين هذه الأخبار ، وبين ما قال المصنف بأنه اختلف لاختلاف الأوقات ، أو بأن الأول إخبار عن عده ، والثاني : إخبار عن الواقع ، فهو لم يعد إلا أربع عشرة ، وأما في الواقع فكان سبع عشرة أو ثمان عشرة ، ونفي الشيب في رواية أنس المراد به نفي كثرته لا أصله ، وسبب قلة شيبه أن النساء يكرهنه غالبا ، ومن كره من النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كفر .

وأما خبر "أن الشيب وقار ونور " فيجاب عنه بأنه وإن كان كذلك لكنه شين عند النساء غالبا ، أو أن المراد بالشيب المنفي فيما من الشين عند من كرهنه لا مطلقا لتجتمع الروايتان ، وأما أمره صلى الله عليه وسلم لهم لما رأوا أبا قحافة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا بتغييره ، وكرهه ، ولذلك قال غيروا الشيب فلا يدل على أنه شين مطلقا ، بل بالنسبة لمن مر. وفي تغييره مصلحة بالنسبة إلى الجهاد ، وإرهاب الكفار .

وبالنسبة لوقوع الألفة بين الزوجين والجمع بين الأحاديث ما أمكن أسهل من دعوى النسخ ، وإن أيدها منع الأكثرين للتغيير والله أعلم .




الخدمات العلمية