الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإذا فرغ قال الحمد لله : اللهم لك الحمد أطعمت فأشبعت ، وسقيت فأرويت ، لك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنه وكان إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا ثم يمسح بفضل الماء على وجهه وكان يشرب في ثلاث دفعات وله ، فيها ثلاث تسميات ، وفي أواخرها ثلاث تحميدات .

التالي السابق


(و) كان -صلى الله عليه وسلم- (إذا فرغ) من الطعام (قال: اللهم لك الحمد) ; لأن الطعام نعمة، والحمد عقيب النعم يقيدها ، ويؤذن باستمرارها وزيادتها; فلذلك أتى - صلى الله عليه وسلم- بتلك الصفات البليغة; تحريضا لأمته على التأسي به في ذلك فقال: (أطعمت وأشبعت، وسقيت وأرويت ، لك الحمد غير مكفور) ، أي غير مجحود بفضله ونعمته (ولا مودع) بتشديد الدال مع فتحها ، أي غير متروك ومع كسرها ، أي حال كوني غير تارك له ، ومعرض عنه ، فمآل الروايتين واحد وهو دوام الحمد واستمراره ، (ولا مستغنى عنه) بفتح النون، قيل: عطف تفسير، إذ المتروك المستغنى عنه ، وفيه نظر ، بل فائدة لم تستفد من سابقه هنا ، وهي أنه لا استغناء لأحد عن الحمد; لوجوبه أن من تركه لفظا يأثم به على أنه إن أتى به في مقابلة النعمة أثيب عليه ثواب المندوب .

قال العراقي : رواه الطبراني من حديث الحارث بن الحارث بسند ضعيف اهـ .

قلت: هو صحابي أزدي ، والحديث المذكور من رواية محمد أبي قيس ، عن عبد الأعلى ، ورواه أحمد عن [ ص: 124 ] رجل من بني سليم ، له صحبة ، ولفظه: "كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت وأشبعت وأرويت ; فلك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنك" ، قال الحافظ ابن حجر : وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي فيه ضعف من قبل حفظه ، وسائر رجاله ثقات .

قال العراقي : وللبخاري من حديث أبي أمامة : "كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي كفانا وآوانا غير مكفي ولا مكفور ، وقال مرة: الحمد لله ربنا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا" اهـ .

قلت: وروى الجماعة إلا مسلما من حديث أبي أمامة "كان إذا رفع مائدته قال: الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا"، وفي رواية الترمذي ، وابن ماجه ، وإحدى روايات النسائي : "الحمد لله حمدا"، وفي لفظ للنسائي : "اللهم لك الحمد حمدا"، وعن أبي سعيد الخدري ، أن النبي -صلى الله عليه وسلم "كان إذا فرغ من طعامه قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين"، رواه الأربعة، واللفظ لأبي داود ، وابن ماجه .

ولفظ الترمذي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا أكل أو شرب" قال: فذكر نحوه ، وعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه ، وجعل له مخرجا" رواه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه ، وعن أبي هريرة قال: "دعانا رجل من الأنصار من أهل قباء يعني ـ النبي صلى الله عليه وسلم ـ فانطلقنا معه ، فلما طعم وغسل يده، أو يديه قال: الحمد لله الذي يطعم ولا يطعم ، من علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا ، وكل بلاء حسن أبلانا ، الحمد لله غير مودع ولا مكافى ولا مكفور ولا مستغنى عنه ، الحمد لله الذي أطعم من الطعام ، وأسقى من الشراب ، وكسا من العري، وهدى من الضلالة ، وبصر من العمى ، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا ، الحمد لله رب العالمين"، رواه النسائي واللفظ له ، والحاكم ، وابن حبان في صحيحهما .

وقال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، وروى ابن أبي شيبة من مرسل سعيد بن جبير ، أنه -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا فرغ من طعامه قال: اللهم أشبعت وأرويت ، فهنيتنا ، ورزقتنا فأكثرت وأطبت فزدنا"، وروى الحاكم من حديث أبي الهيثم بن التيهان ، فإذا شبعتم فقولوا: الحمد لله الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل.

(وكان) صلى الله عليه وسلم (إذا أكل الخبز واللحم خاصة غسل يديه غسلا جيدا) ، قال العراقي : روى أبو يعلى من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف "من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وضره لا يؤذى من حذاءه" اهـ .

قلت: ورواه ابن عدي في الكامل بلفظ : "إذا أكل أحدكم طعاما فليغسل يده من وضر اللحم" وإسناده ضعيف أيضا ، وعليه يحمل ما رواه أحمد والطحاوي ، والطبراني ، وابن عساكر من حديث سهل بن الحنظلية ، رفعه: " من أكل لحما فليتوضأ ، أي فليغسل يده من وضره "، أي زهومته ودسمه، وتقدم قريبا حديث أبي هريرة : "دعانا رجل من الأنصار" وفيه: "فلما طعم وغسل يده أو يديه، (ثم يمسح بفضل الماء على وجهه وكان) صلى الله عليه وسلم (يشرب في ثلاث دفعات له ، فيها ثلاث تسميات ، وفي أواخرها ثلاث تحميدات) .

قال العراقي : رواه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ، ورجاله ثقات ، ولمسلم من حديث أنس :"كان إذا شرب تنفس ثلاثا " اهـ .

قلت: وروى ابن السني من حديث نوفل بن معاوية "كان يشرب بثلاثة أنفاس ، يسمي الله في أوله ، ويحمد الله في آخره"، وروى أيضا الطبراني من حديث ابن مسعود : "كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا، يسمي عند كل نفس ، ويشكر عند آخرهن"، قال النووي : ضعيف ، وهذا يدل على أنه إنما يشكر مرة واحدة بعد فراغ الثلاث .

وفي الغيلانيات من حديث ابن مسعود "كان إذا شرب تنفس في الإناء ثلاثا، يحمد على كل نفس ، ويشكر عند آخرهن"، وروى أحمد والشيخان ، والأربعة من حديث أنس " كان إذا شرب تنفس ثلاثا ، ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ"، وروى الترمذي ، وابن ماجه من حديث ابن عباس : "كان إذا شرب تنفس مرتين" ، أي في أثناء الشرب ، فيكون قد شرب ثلاث مرات ، وسكت عن التنفس الأخير; لكونه من ضرورة الواقع فلا تعارض بينه وبين ما قبله من الثلاث .




الخدمات العلمية