الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكلام المتصوفة أبدا يكون قاصرا فإن عادة كل واحد منهم أن يخبر عن حال نفسه فقط ، ولا يهمه حال غيره فتختلف الأجوبة لاختلاف الأحوال ، وهذا نقصان بالإضافة إلى الهمة ، والإرادة والجد ; حيث يكون صاحبه مقصور النظر على حال نفسه لا يهمه أمر غيره إذ طريقه إلى الله نفسه ومنازلة أحواله ، وقد يكون طريق العبد إلى الله العلم ، فالطرق إلى الله تعالى كثيرة وإن كانت مختلفة في القرب والعبد ، والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا ، مع الاشتراك في أصل الهداية .

التالي السابق


(وكلام المتصوفة أبدا يكون قاصرا) في حد ذاته غير شامل للأحوال كلها; (فإن عادة كل واحد منهم أن يخبر عن حال نفسه فقط) ، وذلك (فيما أقامه الله تعالى فيه، ولا يهمه حال غيره فتختلف الأجوبة) منهم حين يسألون (باختلاف الأحوال، وهذا نقصان بالإضافة إلى درجة العلم; فإن معرفة الأشياء على ما هي عليه أفضل وأعلى، ولكنه كمال بالإضافة إلى المهمة والإرادة والجد; حيث يكون صاحبه مقصور النظر على حال نفسه لا يهمه إلا أمره) ، وفي [ ص: 591 ] نسخة لا يهمه أمر غيره (إذ طريقه إلى الله نفسه ومنازلة أحواله، وقد يكون طريق العبد إلى الله العلم، فالطرق إلى الله كثيرة)كما قيل: بعدد أنفاس الخلائق، (وإن كانت مختلفة في القرب والبعد، والله أعلم بمن هو أهدى سبيلا، مع الاشتراك في أصل الهداية) ، وبه ظهر أن كلام كل من السري والجنيد فيما ذهبا إليه صحيح، فمن قال: التوبة أن لا تنسى ذنبك يقول: إنما الغرض من ذكر الذنب الحمل على الأعمال الجميلة، ولكن إذا حصل للعبد حال شريف، واستغرق فيه، فاشتغاله بذنبه حينئذ يفسد عليه ما هو فيه، فالسري كلم الشاب بما هو الأولى في حق التائبين; فإن ذكر ذنوبهم يهيج خوفهم، ويحملهم على إصلاح أحوالهم، وكان الشاب ممن ارتفعت درجته في ذلك، فكلم السري بما يناسب حاله المستلزم باستغراق صاحبه فيه نسيان ذنبه، فنبهه بذلك على مقام شريف في درجات التوبة; ولذلك اغتم وتغير لونه لإشكال الأمر عليه، وهذا شأنه تعالى يؤدب الكبار بالصغار ليعترفوا .

ونقل القشيري عن أبي نصر السراج قال: أشار سهل إلى أحوال المريدين والمتعرضين تارة لهم وتارة عليهم، وأما الجنيد فإنه أشار إلى توبة المحققين فإنهم لا يذكرون ذنوبهم مما غلب على قلوبهم من عظمة الله ودوام ذكره اهـ .

وقال صاحب القوت فأما نسيان الذنوب وذكرها; فقد اختلف قول العارفين في ذلك فقال بعضهم: حقيقة التوبة تنصب ذنبك بين عينيك، وقال آخر: حقيقة التوبة أن تنسى ذنبك، وهذان طريقان لطائفتين، وحالان لأهل مقامين; فأما ذكر الذنب فطريق المريدين وحال الخائفين، ووجهة هؤلاء شهادة التوحيد، ووجهة الأولين شهادة التوقف والتجريد، وهي مقام في التعريف; ففي أي المقامين أقيم عبد قام بشهادة وجهته، وعمل بحكم حاله، ومقام شهادة التوحيد أفضل عند العارفين من مقام شهادة التعريف، فكانت هذه أوسع وأكثر إلا أنها في أصحاب اليمين وفي عموم المقربين، وشهادة التوحيد أضيق وأقل، وأهلها أعلى وأفضل، وهي في المقربين وخصوص العارفين اهـ .




الخدمات العلمية