الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما الفرار من الزحف وعقوق الوالدين فهذا أيضا ينبغي أن يكون من حيث القياس في محل التوقف ، وإذا قطع بأن سب الناس بكل شيء سوى الزنا وضربهم والظلم لهم بغصب أموالهم وإخراجهم من مساكنهم وبلادهم وإجلائهم من أوطانهم ليس من الكبائر إذ لم ينقل ذلك في السبع عشرة كبيرة ، وهو أكبر ما قيل فيه فالتوقف في هذا أيضا غير بعيد ، ولكن الحديث يدل على تسميته كبيرة فليلحق بالكبائر فإذا رجع حاصل الأمر إلى أنا نعني بالكبيرة ما لا تكفره الصلوات الخمس بحكم الشرع ، وذلك مما انقسم إلى ما علم أنه لا تكفره قطعا ، وإلى ما ينبغي أن تكفره ، وإلى ما يتوقف فيه ، والمتوقف فيه بعضه مظنون للنفي والإثبات وبعضه مشكوك فيه وهو شك لا يزيله إلا نص كتاب أو سنة وإذن ، لا مطمع فيه فطلب رفع الشك فيه محال .

فإن قلت فهذا إقامة برهان على استحالة معرفة حدها ، فكيف يرد الشرع بما يستحيل معرفة حده ? فاعلم أن كل ما لا يتعلق به حكم في الدنيا فيجوز أن يتطرق إليه الإبهام لأن ، دار التكليف هي دار الدنيا ، والكبيرة على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث إنها كبيرة ، بل كل موجبات الحدود معلومة بأسمائها كالسرقة والزنا وغيرهما وإنما حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها وهذا أمر يتعلق بالآخرة ، والإبهام أليق به حتى يكون الناس على وجل وحذر ، فلا يتجرءون على الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس .

التالي السابق


(وأما الفرار من الزحف) غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة، (وعقوق الوالدين) أو أحدهما، (فهذا أيضا ينبغي أن يكون من حيث القياس في محل التوقف، وإذا قطع بأن السب للناس بكل شيء) من أنواعه (سوى الزنا) بصريح أو كناية، (و) سوى (ضربهم) المؤدي إلى الهلاك، (و) سوى (الظلم لهم بغصب أموالهم) ، وإن كان المغصوب عليه قليلا، (و) سوى (إخراجهم من مساكنهم وبلادهم وإجلائهم عن أوطانهم ليس من الكبائر إذا لم ينقل ذلك في السبع عشرة كبيرة، وهو أكثر ما قيل فيه) كما ذكره صاحب القوت (فالتوقف في هذا أيضا غير بعيد، ولكن الحديث يدل على تسميته كبيرة) ، وهو حديث ابن عباس: "الكبائر الإشراك بالله.." فساقه. وفيه: "وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف" ؟

وقد تقدم (فليلتحق بالكبائر فإذا رجع حصل الأمر إلى أنا نعني بالكبيرة ما لا يكفره الصلوات الخمس بحكم الشرع، وذلك مما انقسم إلى ما علم أنه لا تكفره قطعا، وإلى ما ينبغي أن تكفره، وإلى ما يتوقف فيه، والمتوقف فيه بعضه مظنون للنفي والإثبات) برجحان الاعتقاد مع احتمال النقيض، (وبعضه مشكوك فيه) بالتردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما، (وهو شك لا يزيله إلا نص كتاب أو سنة، وإذا لا مطمع فيه فطلب رفع الشك فيه محال) إذ لا نص في ترجيح أحد الاحتمالين على الآخر .

(فإن قلت هذا) الذي ذكرته (إقامة برهان على استحالة معرفة حدها، فكيف يرد الشرع بما يستحيل معرفة حده؟ فاعلم أن كل ما يتعلق به حكم في الدنيا فيجوز أن يتطرق إليه الإبهام، فإن دار التكليف هي دار الدنيا، والكبيرة على الخصوص لا حكم لها في الدنيا من حيث إنها كبيرة، بل كل موجبات الحدود) الشرعية (معلومة بأسمائها كالسرقة والزنا وغيرهما) كاللواط والشرب والقذف .

(وأما حكم الكبيرة أن الصلوات الخمس لا تكفرها فهذا أمر يتعلق بالآخرة، والإبهام أليق به حتى يكون الناس على وجل وحذر، فلا يتجرؤون [ ص: 544 ] على) اقتراف (الصغائر اعتمادا على الصلوات الخمس) .




الخدمات العلمية