الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : ليجيئن أقوام يوم القيامة ، وأعمالهم كجبال تهامة فيؤمر بهم إلى النار ، قالوا : يا رسول الله ، مصلين ، قال : نعم ، كانوا يصلون ، ويصومون ، ويأخذون هنة من الليل فإذا عرض لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه .

وقال صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه : المؤمن بين مخافتين ; بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه ، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه ، فليتزود العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته ، ومن حياته لموته ، ومن شبابه لهرمه ، فإن الدنيا خلقت لكم ، وأنتم خلقتم للآخرة ، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب ، ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار وقال عيسى عليه السلام : لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد وروي أن جبريل عليه السلام قال لنوح عليه السلام : يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا ? قال كدار لها بابان : دخلت من أحدهما ، وخرجت من الآخر وقيل لعيسى عليه السلام : لو اتخذت بيتا يكنك قال : يكفينا خلقان من كان قبلنا .

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : احذروا الدنيا ، فإنها أسحر من هاروت ، وماروت .

وعن الحسن قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه ، فقال : هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ، ويجعله بصيرا ? ألا إنه من رغب في الدنيا ، وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك ، ومن زهد في الدنيا ، وقصر فيها أمله أعطاه الله علما بغير تعلم ، وهدى بغير هداية ، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل ، والتجبر ، ولا الغنى إلا بالفخر والبخل ، ولا المحبة إلا باتباع الهوى ألا ، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر على الفقر ، وهو يقدر على الغنى ، وصبر على البغضاء وهو يقدر على المحبة ، وصبر على الذل وهو يقدر على العز ، لا يريد بذلك إلا وجه الله تعالى ، أعطاه الله ثواب خمسين صديقا .

التالي السابق


(وقال صلى الله عليه وسلم: ليجيئن أقوام يوم القيامة، وأعمالهم كجبال تهامة) ، أي: عظيمة (فيؤمر بهم إلى النار، قالوا: يا رسول الله، مصلين، قال: نعم، كانوا يصلون، ويصومون، ويأخذون هنية من الليل) ، أي: كانوا يهجعون من الليل قليلا (فإذا عرض لهم من الدنيا شيء وثبوا عليه) .

قال العراقي: رواه أبو نعيم في الحلية من حديث سالم [ ص: 86 ] مولى أبي حذيفة، وأبو منصور، والديلمي من حديث أنس، وهو ضعيف أيضا. انتهى .

قلت: قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا محمد بن أحمد بن علي، حدثنا أحمد بن الهيثم، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا بشر بن مطر بن حكيم بن دينار النطعي، قال: سمعت عمرو بن دينار، وكيل آل الزبير يحدث مالك بن دينار، قال: حدثني شيخ من الأنصار يحدث عن سالم مولى أبي حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليجئن بأقوام يوم القيامة معهم من الحسنات مثل جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم جعل الله أعمالهم هباء، ثم قذفهم في النار، فقال سالم: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي حل لنا هؤلاء الأقوام حتى نعرفهم; فوالذي بعثك بالحق إني أتخوف أن أكون منهم، قال: يا سالم، أما إنهم كانوا يصومون، ويصلون، ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه، فأدحض الله أعمالهم، فقال مالك بن دينار: هذا والله النفاق، فأخذ المعلى بن زياد بلحيته، فقال: صدقت والله أبا يحيى. انتهى .

وكذلك رواه سمويه في فوائده، والخطيب في المتفق والمفترق، وأورده صاحب القوت، فقال: حدثنا عبد الواحد بن زيد، عن الحسن، عن أنس، فذكره مثل سياق المصنف، ثم قال: وروينا من طريق آخر، فذكره بنحو سياق صاحب الحلية، وهو في الحلية أيضا في ترجمة الفضيل بن عياض عنه، عن عمران بن حسان، عن الحسن، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم، فقال: هل منكم من أحد... الحديث إلى قوله: خمسين صديقا، ثم قال: لا أعلم رواه بهذا اللفظ إلا الفضيل، عن عمران، وعمران يعد من أصحاب الحسن، لم يتابع على هذا الحديث .

قلت: وبما تقدم عن القوت يظهر أن عبد الواحد بن زيد تابعه على ذلك، والله أعلم .

(وقال صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه: المؤمن بين مخافتين; بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليتزود العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن حياته لموته، ومن شبابه لهرمه، فإن الدنيا خلقت لكم، وأنتم خلقتم للآخرة، والذي نفسي بيده ما بعد الموت من مستعتب، ولا بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار) .

قال العراقي: رواه البيهقي في الشعب من رواية الحسن، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه انقطاع .

(وقال عيسى - عليه السلام -: لا يستقيم حب الدنيا والآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء واحد) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا (ويروى أن جبريل) - عليه السلام - (قال لنوح - عليه السلام -: يا أطول الأنبياء عمرا كيف وجدت الدنيا؟ قال: كبابين دخلت من أحدهما، وخرجت من الآخر) .

أخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الدنيا .

(وقيل لعيسى - عليه السلام -: لو اتخذت بيتا) تأوي إليه (فقال: يكفينا خلقان من كان قبلنا) يقال: ثوب خلق، وجمعه خلقان، أي: بال .

(وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: احذروا الدنيا، فإنها أسحر من هاروت، وماروت) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب من طريقه من رواية أبي الدرداء الرهاوي، وقال البيهقي: إن بعضهم قال عن أبي الدرداء، عن رجل من الصحابة، قال الذهبي: لا يدرى من أبو الدرداء، وقال: هذا منكر لا أصل له، (وعن الحسن) البصري (قال: خرج رسول الله - صلى عليه وسلم - ذات يوم على أصحابه، فقال: هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى، ويجعله بصيرا؟ ألا إنه من رغب في الدنيا، وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر ذلك، ومن زهد في الدنيا، وقصر أمله فيها أعطاه الله علما بغير تعلم، وهدى بغير هداية، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم لتلك إلا بالقتل، والتجبر، ولا الغنى إلا بالفخر والبخل، ولا المحبة إلا باتباع الهوى، ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر، وهو يقدر على الغنى، وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة، وصبر على الذل وهو يقدر على العز، لا يريد بذلك إلا وجه الله، أعطاه الله - عز وجل - ثواب خمسين صديقا) .

قال العراقي: رواه ابن أبي الدنيا، والبيهقي في الشعب من طريقه هكذا مرسلا، وفيه إبراهيم بن الأشعث، تكلم فيه أبو حاتم. انتهى .

قلت: ورواه من هذا الطريق أيضا أبو نعيم في الحلية بلفظ: هل منكم أحد يريد أن يؤتيه الله علما من غير [ ص: 87 ] تعلم، وهدى بغير هداية؟ هل منكم أحد يريد أن يذهب الله عنه العمى، ويجعله بصيرا؟ ألا من رغب في الدنيا... الحديث بطوله .

وأخرج أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب المواعظ والوصايا من حديث ابن عباس: من رغب في الدنيا، وطال أمله فيها أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها، ومن زهد في الدنيا، وقصر فيها أمله أعطاه الله علما من غير تعلم، وهدى من غير هداية.

وأخرج أبو نعيم في الحلية، والديلمي في مسند الفردوس من حديث علي: من زهد في الدنيا علمه الله بلا تعلم، وهداه بلا هداية، وجعله بصيرا، وكشف عنه العمى، وإسنادهما ضعيف .




الخدمات العلمية