الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال ، أبو سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى اطلبوا : الفضل من الرحماء من عبادي تعيشوا في أكنافهم فإني جعلت فيهم رحمتي ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإني جعلت فيهم سخطي .

التالي السابق


(وقال أبو سعيد الخدري) - رضي الله عنه -: (قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: اطلبوا الفضل) ، أي: الزيادة من الإحسان، والتوسعة عليكم (من الرحماء من عبادي) ، أي: الرقيقة قلوبهم السهلة عريكتهم، (تعيشوا في أكنافهم) جمع كنف محركة، وهو الجانب (فإني جعلت فيهم رحمتي) ، أي: جعلتهم مظاهر لرحمتي (ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم) ، أي: الفظة الغليظة (فإني [ ص: 173 ] جعلت فيهم سخطي) .

قال العراقي: رواه ابن حبان في الضعفاء، والخرائطي في مكارم الأخلاق، والطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن مروان السدي الصغير، ضعيف، ورواه العقيلي في الضعفاء، فجعله عبد الرحمن السدي ، وقال: إنه مجهول، وتابع محمد بن مروان السدي عليه عبد الملك بن الخطاب، وقد غمزه ابن القطان، وتابعهما عليه عبد الغفار بن الحسن بن دينار، وقال فيه أبو حاتم: لا بأس بحديثه، وتكلم فيه الجوزجاني، والأزدي.

ورواه الحاكم من حديث علي، وقال: إنه صحيح الإسناد، وليس كما قال. ا ه .

قلت: أخرج الخرائطي، عن محمد بن أيوب الضريس، أخبرنا جندل بن واثق، عن أبي مالك الواسطي، عن عبد الرحمن السدي، عن داود بن أبي هند، عن أبي سعيد الخدري، فساقه، وفيه: فإن رحمتي بدل: فإني جعلت، وفيه: فإنهم ينتظرون سخطي بدل: فإني جعلت فيهم سخطي، ومدار هذا الحديث على داود بن أبي هند ، وقد رواه عنه جماعة منهم محمد بن مروان السدي، ومن طريقه أخرجه الطبراني في الأوسط، وابن حبان في الضعفاء، ومنهم عبد الرحمن السدي، ومن طريقه أخرجه العقيلي في الضعفاء، والخرائطي في مكارم الأخلاق كما سقناه، وفي الميزان عبد الرحمن السدي ، عن داود بن أبي هند لا يتابع، وأتى بخبر باطل، ثم ساق هذا، ولفظ العقيلي في الضعفاء: عبد الرحمن السدي مجهول لا يتابع، ولا يعرف حديثه من وجه يصح، ومنهم عبد الملك بن الخطاب، وعبد الغفار بن الحسن بن دينار.

وأما حديث علي، فسياقه عند الحاكم: اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم .

يا علي، إن الله خلق المعروف، وخلق له أهلا فحببه إليهم، وحبب إليهم مقاله، ووجه إليهم طلابه كما وجه الماء في الأرض الجدبة لتحيا به، ويحيا به أهلها .

إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة.


وهذا هو الذي صحح الحاكم إسناده، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال الذهبي فيما تعقب به على الحاكم بأن فيه الأصبغ بن نباتة، واه جدا، وحبان بن علي ضعفوه. ا ه .

ولا يخفى أن هذا القدر لا يجعل الحديث موضوعا، وإنما هو ضعيف، وشتان بين الضعيف والموضوع، ولأبي سعيد الخدري حديث آخر لفظه: اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا، وتنجحوا; فإن الله تعالى يقول: رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي، ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم، لا ترزقوا ، ولا تنجحوا; فإن الله تعالى يقول: إن سخطي فيهم.

هكذا رواه الحاكم في التاريخ، والعقيلي في الضعفاء، وضعفه، والطبراني في الأوسط، وأظن أن هذا السياق هو الذي تقدمت الإشارة إليه في كلام الحافظ العراقي، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .

ومعنى هذه الأخبار هو أنكم إذا احتجتم إلى فضل غيركم من مال أو جاه، أو معونة فاطلبوه عند رحماء هذه الأمة، وهم أهل الدين والشرف، وطهارة العنصر، فإن من توفر حظه من ذلك عظمت شفقته، فرحم السائل، وبذل ما عنده طلبا للثواب، ومن غير من ولا أذى، ولا مطل، بل في ستر وعفاف وإغضاء، فيعيش في ظله مع سلامة الدين، والعرض، ولا يسترقه .



(تنبيه)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المراد بالقاسية قلوبهم في الأخبار السابقة طائفة اليهود; بقرينة تصريحهم بأن المراد هم في آية: ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم ، وقسوة القلوب من ثمرات المعاصي، وقد وصف الله اليهود بها في غير موضع، منها: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية ، ثم قال: وإن قوما ممن قد ينسب إلى علم ودين قد أخذوا من هذه الصفات بنصيب .

نعوذ بالله مما يكرهه الله ورسوله .




الخدمات العلمية