الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الآثار : قال الحسن يا ابن آدم ، كلما غضبت ، أن تثب وثبة ، فتقع في النار وعن ذي القرنين أنه لقي ملكا من الملائكة ، فقال : علمني علما أزداد به إيمانا ويقينا ، قال : لا تغضب ، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب ، فرد الغضب بالكظم وسكنه بالتؤدة وإياك والعجلة ; فإنك إذا عجلت أخطأت حظك ، وكن سهلا لينا للقريب ، والبعيد ، ولا تكن جبارا عنيدا وعن وهب بن منبه أن راهبا كان في صومعته فأراد الشيطان أن يضله ، فلم يستطع ، فجاءه حتى ناداه ، فقال له : افتح ، فلم يجبه فقال افتح فإني إن ذهبت ندمت فلم يلتفت إليه ، فقال : إني أنا المسيح قال الراهب : وإن كنت المسيح فما أصنع بك ? أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد ? ووعدتنا القيامة فلو جئتنا ، اليوم بغيره لم نقبله منك ، فقال : إني الشيطان ، وقد أردت أن أضلك ، فلم أستطع ، فجئتك لتسألني عما شئت ، فأخبرك فقال : ما أريد أن أسألك عن شيء ، قال : فولى مدبرا ، فقال الراهب : ألا تسمع ? قال : بلى ، قال أخبرني : أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال : الحدة ; إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة .

وقال خيثمة الشيطان يقول : كيف يغلبني ابن آدم ، وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه ، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الغضب مفتاح كل شر وقال بعض الأنصار : رأس الحمق الحدة وقائده ، الغضب ، ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم والحلم زين ومنفعة ، والجهل شين ومضرة ، والسكوت عن جواب الأحمق جوابه وقال مجاهد قال إبليس : ما أعجزني بنو آدم ، فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا ، وعمل لنا بما أحببنا وإذا ، غضب قال بما لا يعلم ، وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم : ما أملك فلانا لنفسه ! قال : إذا لا تذله الشهوة ، ولا يصرعه الهوى ، ولا يغلبه الغضب وقال بعضهم : إياك والغضب ، فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل : اتقوا الغضب ، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه ، وأمانته عند طمعه ، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب ، وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله : أن لا تعاقب عند غضبك ، وإذا غضبت على رجل فاحبسه ، فإذا سكن غضبك ، فأخرجه ، فعاقبه على قدر ذنبه ، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا .

وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول ، فأطرق عمر زمانا طويلا ، ثم قال : أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان ، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا وقال بعضهم لابنه يا بني ، لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضبا أعقلهم فإن كان للدنيا كان دهاء ومكرا ، وإن كان للآخرة كان حلما وعلما فقد قيل : الغضب عدو العقل ، والغضب غول العقل .

وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته : أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى ، والغضب وقال بعضهم : من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وقال الحسن من علامات المسلم قوة في دين ، وحزم في لين ، وإيمان في يقين ، وعلم في حلم ، وكيس في رفق ، وإعطاء في حق ، وقصد في غنى ، وتجمل في فاقة وإحسان في قدرة وتحمل في رفاقة وصبر في شدة ، لا يغلبه الغضب ، ولا تجمح به الحمية ولا تغلبه شهوة ، ولا تفضحه بطنة ، ولا يستخفه حرصه ، ولا تقصر به نيته فينصر ، المظلوم ، ويرحم الضعيف ، ولا يبخل ولا يبذر ولا يسرف ، ولا يقتر ، يغفر إذا ظلم ، ويعفو عن الجاهل نفسه منه في عناء والناس منه في رخاء .

وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة .

فقال اترك : الغضب .

وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه : من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون ، معي في درجتي ، ويكون بعدي خليفتي ? فقال شاب من القوم : أنا ، ثم أعاد عليه ، فقال الشاب : أنا أوفي به ، فلما مات كان في منزلته بعده ، وهو ذو الكفل سمي به ; لأنه تكفل بالغضب ، ووفى به .

وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان : الغضب ، والشهوة ، والخرق ، والطمع .

التالي السابق


(الآثار: قال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى -: (يا ابن آدم، كلما غضبت ووثبت، يوشك أن تثب وثبة، فتقع في النار) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، (وعن ذي القرنين) المذكور في القرآن اسمه الإسكندر، وليس هو الذي كان وزيره أرسطاطاليس، وأرخ التواريخ، وقد غلط في ذلك جماعة .

نبه عليه ابن تيمية في كتاب الفرقان (أنه لقي ملكا من الملائكة، فقال: علمني علما أزداد به إيمانا ويقينا، قال: لا تغضب، فإن الشيطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب، فرد الغضب بالكظم) ، أي: بالإمساك عنه، (وسكنه بالتؤدة) ، أي: السكون، والرفق (وإياك والعجلة; فإنك إذا عجلت أخطأت حظك، وكن سهلا لينا للقريب، والبعيد، ولا تكن جبارا عنيدا) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب (وعن وهب بن منبه) - رحمه الله تعالى - (أن راهبا كان في صومعته) يتعبد فيها، (فأراد الشيطان أن يضله، فلم يستطع، فجاءه حتى ناداه، فقال: افتح لي، فلم يجبه) ، فقال: افتح (فإني إن ذهبت) عنك (ندمت) على عدم فتحك، (فلم يلتفت) الراهب (إليه، فقال: إني أنا المسيح) ، أي: عيسى - عليه السلام - (قال الراهب: وإن كنت المسيح ما أصنع بك؟ أليس قد أمرتنا بالعبادة والاجتهاد؟ ووعدتنا القيامة، فأوجئتنا اليوم بغير ذلك لم نقبله منك، قال: فقال: إني الشيطان، وقد أردت أن أضلك، فلم أستطع، فجئتك لتسألني عما شئت، فأخبرك، قال: ما أريد أن أسألك عن شيء، قال: فولى مدبرا، فقال الراهب: ألا تسمع؟ قال: بلى، قال: فأخبرني، أي أخلاق بني آدم أهون لك عليهم؟ قال: الحدة; إن الرجل إذا كان حديدا قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة) ، قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو بكر الآجري، حدثنا عبد الله بن محمد العطشى، حدثنا إبراهيم بن الجنيد، حدثني محمد بن الحسين، حدثنا بشر بن أبان، حدثني الحسن بن عبيد الله بن مسلم القرشي، عن وهب بن منبه أن راهبا تخلى في صومعته في زمن المسيح - عليه السلام - فأراده إبليس بكل ديرة، فلم يقدر عليه، فأتاه تشبها بالمسيح، فناداه: أيها الراهب، أشرف علي أكلمك، فقال: انطلق لشأنك، فلست رادا ما مضى من عمري، فقال: أشرف علي، فأنا المسيح، قال: فإن كنت المسيح فما إليك من حاجة، أليس قد أمرتنا بالعبادة، ووعدتنا القيامة؟ انطلق لشأنك، فلا حاجة لي فيك، قال: فانطلق اللعين عنه، وتركه .

وحدثنا أبي حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا محمد بن سهل، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثني عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن إبليس أتى راهبا في صومعته فاستفتح عليه، فقال: من أنت؟ قال: أنا المسيح، فقال الراهب: والله لئن كنت إبليس لا أخلو بك، ولئن كنت المسيح ما عسيت أني أصنع بك اليوم؟ لقد بلغتنا رسالة [ ص: 7 ] ربك، وقبلنا عنك، وشرعت لنا الدين، ونحن عليه، فاذهب، فلست بفاتحك .

قال له: صدقت، أنا إبليس، ولا أريد ضلالتك بعد اليوم أبدا، فسلني عما بدا لك، أخبرك به، قال: وأنت صادق؟ قال: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك به، قال: فأخبرني أي أخلاق بني آدم أوثق في أنفسكم أن تضلوه بها؟ قال: ثلاثة أشياء: الشح، والحدة، والسكر .

وأخرج أيضا من طريق أخرى قصة تشبهها، وهي من طريق بكار بن عبد الله، سمعت وهبا يقول: كان رجل عابد أراده الشيطان من قبل الشهوة، والرغبة، والغضب، فلم يستطع له شيئا، فساق القصة، وفي آخرها: قال له الشيطان: أفلا تسألني عما أضل به بني آدم؟ قال: بلى، قال: فأخبرني ما أوثق ما في نفسك أن تضلهم به؟ فقال: ثلاثة أخلاق، من لم يستطع بشيء منها غلبناه: بالشح، والحدة، والسكر، فإن الرجل إذا كان شحيحا قللنا ماله في عينه، ورغبناه في أموال الناس، وإذا كان حديدا تداورناه بيننا كما يتداور الصبيان الكرة، ولو كان يحيي الموتى بدعوته لم نيأس منه، فإن ما يبني يهدمه لنا بكلمة، وإذا سكر اقتدناه إلى كل سوء كما ينقاد من أخذ العنز بأذنها حيث شاء .

(وقال خيثمة) بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفي الكوفي، تابعي ثقة يرسل .

مات بعد الثمانين، روى له الجماعة: (الشيطان يقول: كيف يغلبني ابن آدم، وإذا رضي جئته حتى أكون في قلبه، وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب (وقال) أبو عبد الله (جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين: (الغضب مفتاح كل شر) .

رواه ابن أبي الدنيا، وفي قول بعضهم: جماع كل شر، أي: إن الشرور كلها تنشأ منه، وهو يفتح أبوابها، (وقال بعض الأنصار: رأس الحمق الحدة، وفائدة الغضب، ومن رضي بالجهل استغنى عن الحلم .

الحلم زينة ومنفعة، والجهل شين ومضرة، والسكوت عن جواب الأحمق جوابه) .

رواه ابن أبي الدنيا، وقد روي بعض ذلك من كلام الشافعي - رحمه الله تعالى - (وقال مجاهد) - رحمه الله تعالى -: (قال إبليس: ما أعجزني بنو آدم، فلن يعجزوني في ثلاث) حالات; الأولى: (إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامه) بالضم اسم الحبل الذي تخزم به الدابة (فقدناه) ، أي: سقناه (حيث شئنا، وعمل لنا بما أحببنا، و) الثانية: (إذا غضب قال بما لا يعلم، وعمل بما يندم) عليه بعد، (و) الثالثة: (بخله بما في يده) من الأموال (وتمنيه بما لا يقدر عليه) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، (وقيل لحكيم: ما أملك فلانا لنفسه! قال: إذا لا تذله الشهوة، ولا يصرعه الهوى، ولا يغلبه الغضب) .

رواه ابن أبي الدنيا، أي: فهذه خواص من ملك نفسه، (وقال بعضهم: إياك والغضب، فإنه مصيرك إلى ذلة الاعتذار) .

رواه ابن أبي الدنيا; وذلك لأن الاعتذار لا يخلو من الكذب، فهو ذل، ففي الخبر: إياك وما يعتذر منه، وعن ابن عون قال: اعتذر رجل عند إبراهيم النخعي، فقال: قد عذرناك غير معتذر; إن الاعتذار يخالطه الكذب، وقال مطرف: المعاذر مفاجر، (وقيل: اتقوا الغضب، فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل) ، وهذا قد روي من حديث معاوية بن حيدة القشيري بلفظ: لا تغضب، فإن الغضب... إلخ، كما تقدم قريبا (وقال عبد الله بن مسعود) - رضي الله عنه -: (انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه، وأمانته عند طمعه، وما علمك بحلمه إذا لم يغضب، وما علمك بأمانته إذا لم يطمع) .

رواه ابن أبي الدنيا (وكتب عمر بن عبد العزيز) - رحمه الله تعالى - (إلى عامله: أن لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك، فأخرجه، فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز به خمسة عشر سوطا) قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا ابن مسعود المقدسي، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا الأوزاعي، وحدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا عبد الله بن أبي داود، حدثنا علي بن خشرم، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: لا تعاقب رجلا لمكان جلسائك، ولا تغضب عليه، ولا تؤدب أحدا من أهل بيتك إلا على قدر ذنبه، وإن لم يبلغ إلا سوطا واحدا، (وقال علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي القرشي البصري، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده، ضعيف .

مات سنة إحدى وثلاثين: (أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز، فأطرق عمر طويلا، ثم قال: أردت أن يستفزني الشيطان بعز سلطاني، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدا) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية .

(وقال بعضهم لابنه) وهو يعظه:

[ ص: 8 ] (يا بني، لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة) ، أي: الموقودة بالحطب (فأقل الناس غضبا أعقلهم) ، أي: أكثرهم عقلا (فإن كان للدنيا كان دهاء ومكرا، وإن كان للآخرة كان علما وحلما) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب .

(وقد قيل: الغضب عدو العقل، والغضب غول العقل) .

رواه ابن أبي الدنيا (وكان عمر - رضي الله عنه - إذا خطب قال في خطبته: أفلح منكم من حفظ من الهوى، والطمع، والغضب) .

رواه ابن أبي الدنيا في الصمت، عن عبد الرحمن بن صالح، حدثنا أبو بكر، عن عياش قال: قال عمر بن الخطاب: لا خير فيما دون الصدق من الحديث; من يكذب يفجر، ومن يفجر يهلك، قد أفلح من حفظ من ثلاث: الهوى، والطمع، والغضب، (وقال بعضهم: من أطاع غضبه وشهوته قاداه إلى النار) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب (وقال الحسن) البصري - رحمه الله تعالى -: (من علامات المسلم) ، أي: الكامل في إسلامه: (قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وعلم في حلم، وكيس في رفق، وإعطاء في حق، وقصد) ، أي: اقتصاد (في غنى، وتجمل في فاقة) ، أي: حالة فقر (وإحسان في قدرة) ، أي: عند القدرة (وصبر في شدة، لا يغلبه الغضب، ولا تجمح به الحمية) ، أي: الأنفة (ولا تغلبه شهوة، ولا يفضحه بطنه، ولا يستخفه حرصه، ولا تقصر به نيته، ينصر المظلوم، ويرحم الضعيف، ولا يبخل) بما عنده، (ولا يبذر) في ماله (ولا يسرف، ولا يقتر، يغفر إذا ظلم، ويعفو عن الجاهل) إذا جهل عليه، (نفسه منه في عناء) ، أي: تعب، (والناس منه في رخاء) ، أي: سعة .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب .

(وقيل لعبد الله بن المبارك) - رحمه الله تعالى -: (أجمل لنا حسن الخلق في كلمة، فقال: ترك الغضب) .

رواه ابن أبي الدنيا، وهكذا فسر الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه حسن الخلق بترك الغضب، وقد روي ذلك مرفوعا: أخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة من حديث أبي العلاء بن الشخير أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل وجهه، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: حسن الخلق، ثم أتاه عن يمينه، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ فقال: حسن الخلق، ثم أتاه عن شماله، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: حسن الخلق، ثم أتاه من بعده، يعني من خلفه، فقال: يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لك لا تفقه؟ حسن الخلق هو أن لا تغضب إن استطعت.

وهذا مرسل، (وقال نبي من الأنبياء) من بني إسرائيل (لمن معه: من يتكفل لي أن لا يغضب، ويكون معي في درجتي، ويكون بعدي خليفتي؟ فقال شاب من القوم: أنا، ثم أعاد عليه، فقال الشاب: أنا أوفي به، فلما مات كان في منزلته بعده، وهو ذو الكفل سمي به; لأنه كفل بالغضب، ووفى به) .

رواه ابن أبي الدنيا في ذم الغضب، وعبد بن حميد ، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، كلهم من طريق عبد الله بن الحرث، لكن هذا السياق لابن أبي الدنيا.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن مجاهد قال: لما كبر اليسع قال: لو أني استخلفت رجلا على الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف عمل، فجمع الناس، فقال: من يتقبل لي بثلاث أستخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب. فقام منهم رجل شاب قال: نعم، فردهم من ذلك اليوم، وقال: مثلها اليوم الآخر، فسكت الناس، وقام ذلك الرجل، فقال: أنا، فاستخلفه، قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال: دعوني وإياه، ثم أتاه في صورة شيخ كبير، فقير، فأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل، ولا النهار إلا تلك النومة، فدق الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام، ففتح الباب، فجعل يقص عليه، ويطول في قصته حتى حضره وقت الرواح، وذهبت القائلة، وقال: إذا رحت فائتني آخذ لك بحقك، فانطلق وراح، وكان في مجلسه، فجعل ينتظر هل يرى الشيخ؟ فلم يره، فقام، فلما كان الغد، ورجع إلى القائلة، وأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: مثل ما قال في الأولى، واعتذر له عن المجيء، وفعل ذلك ثلاث مرات، ثم إنه رأى كوة في البيت، فتسور منها، فإذا هو في البيت، فإذا هو يدق الباب من داخل، فاستيقظ الرجل، فقام إلى الباب، فإذا هو مغلق، وإذا الرجل معه في البيت، فقال له: من أين أتيت؟ فأخبره، فعرف أنه عدو الله، وقال له: أعييتني في كل شيء، ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه الله ذا الكفل; لأنه تكفل بأمر [ ص: 9 ] فوفى به .

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: كان قاض في بني إسرائيل فحضره الموت، فقال: من يقوم مقامي على أن لا يغضب؟ فقال رجل: أنا، فسمي ذا الكفل، فكان ليله جميعا يصلي، ثم يصبح صائما فيقضي بين الناس، وله ساعة يقيلها، وكان كذلك، فأتاه الشيطان عند نومته، فقال له أصحابه: ما لك؟ قال: إنسان مسكين له على رجل حق، وقد غلبني عليه، فقالوا: كما أنت حتى يستيقظ، وهو فوق نائم، فجعل يصيح عمدا حتى يغضبه، فسمع، فقال له: ما لك؟ فذكر له ما قال، قال: اذهب قل له يعطيك، قال: قد أبى، قال: اذهب أنت له، فذهب، ثم أتاه من الغد، فقال: ما لك؟ قال: مضيت إليه، فلم يرفع بكلامك رأسا، قال: اذهب إليه، فذهب، ثم جاء من الغد حين قال، فقال له أصحابه: اخرج أنت لا تدعه ينام، فجعل يصيح، ويقول: من أجل أني مسكين لو كنت غنيا تسمع، فقال: ما لك؟ قال: ذهبت إليه فضربني، قال: امش حتى أجيء معك، فهو ممسك بيده، فلما رآه ذهب معه، فنثر يده منه فذهب، ففر .

وأخرج أبو سعيد النقاش في كتاب القضاة، عن ابن عباس، قال: كان نبي لله جمع أمته، فقال: أيكم يتكفل لي بالقضاء بين أمتي على أن لا يغضب؟ فقام فتى فقال: أنا يا رسول الله، فساق الحديث، وفيه، فأتاه الشيطان نصف النهار وهو نائم، فناداه حتى أيقظه فاستعداه، وفيه: فبعث معه الرسول مرتين، أو ثلاثا، ثم أخذ الرجل بيده، ومشى معه ساعة، فلما رأى الشيطان ذلك نزع يده من يده، ثم فر، فسمي ذا الكفل.

وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن حجرة الأكبر، أنه بلغه أن ملكا من ملوك بني إسرائيل حضرته الوفاة، فساق القصة، وفيها: فأتاه الشيطان في صورة رجل، وقد تحين مقيله، فيمنعه من النوم بالنهار حتى ينام بالليل، ففعل ذلك ثلاثا، ويقول: قد صنعت ما صنعت لعله يغضب، فقال له ذو الكفل: انطلق، فأنا أذهب معك، فانطلق فطاف به، ثم قال له: أتدري من أنا؟ قال: أنا الشيطان تكفلت لصاحبك بأمر، فأردت أن تدع بعضه، وإن الله قد عصمك، (وقال وهب بن منبه) - رحمه الله تعالى -: (للكفر أربعة أركان: الغضب، والشهوة، والخرق، والطمع) .

أخرجه أبو نعيم في الحلية، فقال: حدثنا صالح المري، عن أبان، عن وهب، قال: قرأت في الحكمة: للكفر أربعة أركان: ركن منه الغضب، وركن منه الشهوة، وركن منه الطمع، وركن منه الخرق.



الخدمات العلمية