الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مثال آخر للدنيا في مخالفة ظاهرها لباطنها اعلم أن الدنيا مزينة الظواهر ، قبيحة السرائر ، وهي شبه عجوز متزينة ، تخدع الناس بظاهرها ، فإذا وقفوا على باطنها ، وكشفوا القناع عن وجهها تمثل لهم قبائحها ، فندموا على اتباعها ، وخجلوا من ضعف عقولهم في الاغترار بظاهرها .

وقال ، العلاء بن زياد رأيت في المنام عجوزا كبيرة متعصية الجلد عليها من كل زينة الدنيا والناس عكوف عليها معجبون ينظرون إليها فجئت ، ونظرت ، وتعجبت من نظرهم إليها ، وإقبالهم عليها فقلت ، لها : ويلك من أنت ? قالت أو : ما تعرفني قلت : لا أدري من أنت قالت : أنا الدنيا قلت : أعوذ بالله من شرك ، قالت إن : أحببت أن تعاذ من شري فأبغض الدرهم قال أبو بكر بن عياش رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة شمطاء ، تصفق بيديها ، وخلفها خلق يتبعونها ويصفقون ، ويرقصون ، فلما كانت بحذائي أقبلت علي ، فقالت : لو ظفرت بك لصنعت بك مثل ما صنعت بهؤلاء ، ثم بكى أبو بكر . وقال : رأيت هذا قبل أن أقدم إلى بغداد وقال الفضيل بن عياض قال ابن عباس : يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوها خلقها فتشرف على الخلائق فيقال لهم أتعرفون : هذه ? فيقولون : نعوذ بالله من معرفة هذه فيقال : هذه الدنيا التي تناحرتم عليها بها تقاطعتم الأرحام ، وبها تحاسدتم ، وتباغضتم ، واغتررتم ، ثم يقذف بها في جهنم ، فتنادي ، أي رب ، أين أتباعي ، وأشياعي ? فيقول الله عز وجل : ألحقوا بها أتباعها ، وأشياعها وقال الفضيل بلغني أن رجلا عرج بروحه ، فإذا امرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة من الحلي والثياب ، وإذا لا يمر بها أحد إلا جرحته ، فإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآه الناس ، وإذا هي أقبلت كانت أقبح شيء رآه الناس عجوز ; شمطاء زرقاء عمشاء ، قال : فقلت : أعوذ بالله منك ، قالت : لا والله لا يعيذك الله مني حتى تبغض الدرهم ، قال فقلت : من أنت ? قالت : أنا الدنيا .

التالي السابق


(مثال آخر للدنيا)

في مخالفة باطنها لظاهرها. (اعلم أن الدنيا مزينة الظواهر، قبيحة السرائر، وهي تشبه عجوزا متزينة، تخدع الناس بظاهرها، فإذا وقفوا على باطنها، وكشفوا القناع عن وجهها تمثل لهم قبائحها، فندموا على اتباعها، وخجلوا من ضعف عقولهم في الاغترار بظاهرها، قال) أبو نصر (العلاء بن زياد) بن مطر العدوي البصري أحد العباد، ثقة، روى له البخاري تعليقا، وأبو داود في المراسيل، والنسائي، وابن ماجه (رأيت في النوم عجوزا كبيرة) السن (متعصية الجلد) ، أي: يابسته (عليها من كل زينة الدنيا) ، أي: من الملابس الفاخرة، والحلي (والناس عكوف عليها) ، أي: محيطون به، قائمون لديها (متعجبون ينظرون إليها، ونظرت، وتعجبت من نظرهم إليها، وإقبالهم عليها، وقلت لها: ويلك من أنت؟ قالت: ما تعرفني؟ فقلت: لا أدري من أنت، فقالت: أنا الدنيا، فقلت: أعوذ بالله من شرك، قالت: فإن أحببت أن تعاذ من شري فأبغض الدرهم) قال أبو نعيم في الحلية: حدثنا أبو حامد بن جبلة ، حدثنا أبو العباس السراج، حدثنا هارون بن عبد الله، حدثنا يسار، حدثنا الحرث بن نبهان، حدثنا هارون بن رباب، عن العلاء بن زياد، قال: رأيت الدنيا في منامي امرأة قبيحة عليها من كل زينة .

قلت: من أنت يا عدوة الله؟ من أنت؟ أعوذ بالله منك، قالت: أنا الدنيا، إن سرك أن يعيذك الله مني فأبغض الدراهم .

وحدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا وهب بن جرير قال: سمعت جرير بن هلال يحدث عن العلاء بن زياد، قال: رأيت الناس في النوم يتبعون شيئا، فتبعته، فإذا عجوز كبيرة هتماء عوراء عليها من كل حلية وزينة، فقلت: من أنت؟ قالت: أنا الدنيا .

قلت: أسأل الله أن يبغضك إلي، قالت: نعم، إن أبغضت الدراهم .

وأورده صاحب القوت، عن مورق العجلي، ولفظه: رأيت الدنيا في صورة شمطاء سمجة، عليها ألوان المصبغات، وأنواع الزينة، فقلت: أعوذ بالله منك، فقالت: إن أردت أن يعيذك الله مني فأبغض الدرهم. قال: وفي لفظ آخر: والله لا يعيذك الله مني حتى تبغض الدنيا، والدراهم .

(وقال أبو بكر بن عياش) بتحتانية، ومعجمة الأسدي الكوفي المقري، تقدمت ترجمته، والاختلاف في اسمه على عشرة أقوال، (رأيت الدنيا في النوم عجوزا مشوهة) ، أي: قبيحة الخلقة (شمطاء، تصفق بيدها، وخلفها خلق يتبعونها، يصفقون ويرقصون، فلما كانت بحذائي) ، أي: مقابلتي، (أقبلت علي، فقالت: لو ظفرت بك لصنعت بك مثل ما صنعت بهؤلاء، ثم بكى أبو بكر.

وقال: رأيت هذا قبل أن أقدم إلى بغداد) ، قال المزي: وهو من مشهوري مشايخ الكوفة، ومن قرائهم، وقد دخل بغداد، ونشر بها العلم، وروى عنه أكابر الشيوخ، مات سنة 233، عن ستة وتسعين سنة .

(وقال الفضيل ابن عياض) - رحمه الله تعالى - (قال ابن عباس - رضي الله عنه -: يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة شمطاء زرقاء أنيابها بادية) ، وهو أسنانها من قدام (مشوها خلقها) ، أي: قصيرا (وتشرف على الخلائق فيقال لهم: تعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه، فقال: هذه الدنيا التي تناحرتم عليها) ، أي: تذابحتم (بها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم، وتباغضتم، واغتررتم، ثم تقذف في جهنم، فتنادي، أي رب، أين أتباعي، وأشياعي؟) ، أي: جماعتي (فيقول الله - عز وجل -: ألحقوا بها أتباعها، وأشياعها) ، فيقذفون في النار .

هكذا أورده صاحب القوت [ ص: 109 ] عن ابن عباس، ولم يذكر الفضيل بن عياض، وقد روى الفضيل عن جماعة، عن عكرمة، عن ابن عباس، وعن جماعة، عن عطاء، عن ابن عباس، وقد روى أبو سعيد بن الأعرابي في كتاب الزهد له من حديث عبادة: يجاء بالدنيا يوم القيامة، فيقال: ميزوا ما كان منها لله، وألقوا سائرها في النار.

(وقال الفضيل) - رحمه الله تعالى -: (بلغني أن رجلا عرج بروحه، فإذا امرأة على قارعة الطريق عليها من كل زينة من الحلي والثياب، وإذا لا يمر بها أحد إلا جرحته، فإذا هي أدبرت كانت أحسن شيء رآها الناس، وإذا هي أقبلت كانت أقبح شيء رآها الناس; عجوزا شمطاء زرقاء عمشاء، قال: فقلت: أعوذ بالله منك، قالت: لا والله لا يعيذك الله مني حتى تبغض الدرهم، قال: قلت: من أنت؟ قالت: أنا الدنيا) .

وهذه القصة أشبه بقصة العلاء بن زياد التي أوردناها آنفا، وأن الفضيل بلغه عن رجل عنه، والتاريخ يقبله .

والله أعلم .




الخدمات العلمية