الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال صلى الله عليه وسلم : اصنع المعروف إلى من هو أهله ، وإلى من ليس بأهله ، فإن أصبت أهله ، فقد أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله ، فأنت من أهله .

وقال صلى الله عليه وسلم : إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة ، ولا صيام ، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس ، وسلامة الصدور ، والنصح للمسلمين .

وقال أبو سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل جعل للمعروف وجوها من خلقه حبب إليهم المعروف وحبب إليهم فعاله ووجه طلاب المعروف إليهم ويسر عليهم إعطاءه كما يسر الغيث إلى البلدة الجدبة فيحييها ويحيي به أهلها .

وقال صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة وما وقى به الرجل عرضه فهو له صدقة وما أنفق الرجل من نفقة ، فعلى الله خلفها .

وقال صلى الله عليه وسلم : كل معروف صدقة ، والدال على الخير كفاعله والله ، يحب إغاثة اللهفان .

وقال صلى الله عليه وسلم : كل معروف فعلته إلى غني أو فقير صدقة .

وروي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام : لا تقتل السامري ، فإنه سخي وقال جابر بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا عليهم قيس بن سعد بن عبادة فجهدوا فنحر لهم قيس تسع ركائب فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم : إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت .

التالي السابق


(وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنع المعروف إلى من هو أهله، وإلى من ليس بأهله، فإن أصبت أهله، فقد أصبت أهله، وإن لم تصب أهله، فأنت أهله) .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده مرسلا، وتقدم في آداب الصحبة .

قلت: ورواه ابن النجار من حديث علي، ورواه ابن لال، والخطيب في رواية مالك من حديث ابن عمر.

(وقال صلى الله عليه وسلم: إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بصلاة، ولا صيام، ولكن دخلوها بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للمسلمين) .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد، وأبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث أنس، وفيه محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدينوري.

أورد ابن عدي له مناكير، وفي الميزان أنه ضعيف منكر الحديث، وروى الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث أبي سعيد نحوه، وفيه صالح المري، متكلم فيه. انتهى .

قلت: وكذلك رواه الخلال في كرامات الأولياء، وهو من حديث الحسن، عن أنس، وقد رواه الحكيم في النوادر، وابن أبي الدنيا في كتاب السخاء، والبيهقي من طريقه من مرسل الحسن، ولفظه: بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صوم، ولا صلاة، ولكن دخلوها برحمة الله، وسلامة الصدور، وسخاوة الأنفس، والرحمة لجميع المسلمين.

(وقال أبو سعيد الخدري) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله - عز وجل - جعل للمعروف) ، وهو اسم جامع لما عرف [ ص: 178 ] من الطاعة، وندب من الإحسان (وجوها) ، أي: جماعات، فكنى بالوجه عن الذات (من خلقه) ، أي: الآدميين بقرينة قوله: (حبب إليهم المعروف) ، أي: جبلهم عليه (وحبب إليهم فعاله) ، أي: لأجل القيام به، ونشره في العالم أن يفعلوه مع غيرهم (ووجه طلاب المعروف إليهم) ، أي: إلى قصدهم، وسؤالهم في فعله معهم (ويسر) ، أي: سهل (عليهم إعطاءهم) إياه، وفي رواية: إعطاءه، أي: هيأ لهم أسبابه (كما يسر الغيث إلى الأرض الجدبة) ، أي: الممحلة (فيحييها) به، فتخرج نباتها بإذن ربها (ويحيي به أهلها) ، أي: بما تخرج من النبات هم ومواشيهم، وفي رواية: ليحييها ويحيي بها أهلها .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي هارون العبدي عنه، وأبو هارون ضعيف .

ورواه الحاكم من حديث علي، وصححه. انتهى .

قلت: ولحديث أبي سعيد بقية، وهي: وإن الله تعالى جعل للمعروف أعداء من خلقه، بغض إليهم المعروف، وبغض إليهم فعاله، وحظر عليهم إعطاءه، كما يحظر الغيث عن الأرض الجدبة ليهلكها، ويهلك بها أهلها، وما يعفو أكثر.

وهكذا رواه ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وهو من طريق عثمان بن سماك، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد، وقد رواه أيضا أبو الشيخ، وأبو نعيم، والديلمي باللفظ المذكور .

(وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل معروف) ، أي: ما عرف فيه رضا الله، أو ما عرف من جملة الخيرات، أو ما شهد عيانه بموافقته، وقبول موقعه بين الأنفس، فلا يلحقها منه تنكر (صدقة) ، أي: بمنزلة الصدقة، وثوابه كثوابها .

رواه أحمد، والبخاري، وابن حبان، والدارقطني، والحاكم من حديث جابر، ورواه الطبراني في الكبير من حديث بلال، ورواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، وأبو عوانة، وابن حبان من حديث حذيفة، ورواه ابن حبان من حديث ابن مسعود، ورواه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس، ورواه الطبراني في الكبير من حديث عدي بن ثابت، عن أبيه، عن جده، ورواه أحمد، والطبراني في الصغير من حديث نبيط بن شريط، ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن يزيد، وقد رويت في هذا الحديث زيادات، فمنها ما ذكره المصنف .

(وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة) ; لأنه ينكف بذلك عن السؤال، ويكف من ينفق عليه (وما وقى به الرجل عرضه فهو له صدقة) ، وهو ما يعطيه الشاعر، أو من يخاف شره، ولسانه، وإنما كان صدقة; لأن صيانة العرض من جملة الخيرات، لا أنه يحرم على الغير، كالدم والمال (وما أنفق الرجل من نفقة، فعلى الله خلفها) .

قال العراقي: رواه ابن عدي ، والدارقطني في المستجاد، والخرائطي، والبيهقي في الشعب من حديث جابر، وفيه عبد الحميد بن الحسن الهلالي، وثقه ابن معين، وضعفه الجمهور، والجملة الأولى منه عند البخاري من حديث جابر، وعند مسلم من حديث حذيفة. انتهى .

قلت: رواه بتمامه عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، والحاكم من طريق عبد الحميد بن الحسن، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وقال الحاكم: صحيح، وتعقبه الذهبي بقوله: إن عبد الحميد ضعفوه، وقال في الميزان: إنه غريب جدا، ولفظ حديث جابر بعد الجملة الأولى: وما أنفق المسلم من نفقته على نفسه، وأهله كتب له بها صدقة، وما وقى به المرء المسلم عرضه كتب له به صدقة، وكل نفقة أنفقها المسلم فعلى الله خلفها، والله ضامن، إلا نفقة في بنيان، أو معصية، وتقدم أن القضاعي روى من هذه الطريق: ما وقى به المرء عرضه فهو له صدقة، وما أنفق الرجل على أهله ونفسه كتبت له صدقة، وفيه: قال عبد الحميد الهلالي: فقلت لمحمد بن المنكدر: ما معنى ما وقى عرضه.. .

إلخ، وقد تقدم .

وتقدم أيضا أن عبد الحميد لم ينفرد به، بل رواه القضاعي أيضا من طريق مسعود بن الصلت المزني، وبهذا يجاب عن تعقب الذهبي على الحاكم.

ومن جملة الزيادات في حديث جابر: يصنعه أحدكم إلى غني أو فقير.

رواه أبو يعلى في حديث جابر.

وإن من المعروف أن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وأن تصب من دلوك في إناء جارك.

رواه أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، وقال: حسن صحيح، والدارقطني، والحاكم .

ومن الزيادات في حديث بلال: والمعروف يقي سبعين نوعا من البلاء، ويقي ميتة السوء. الحديث رواه هكذا ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، والخرائطي، وابن النجار.

ومن الزيادة في حديث ابن مسعود: غنيا كان أو فقيرا.

رواه الطبراني في الكبير .

ومن الزيادات في حديث ابن عباس ما أشار إليه المصنف بقوله: (وقال صلى الله عليه وسلم: كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله، والله يحب [ ص: 179 ] إغاثة اللهفان) ، أي: المتحير في أمره، الحزين المسكين الذي لا يجد له مغيثا، ولا ناصرا .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية الحجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، والحجاج ضعيف، وقد جاء مفرقا، والجملة الأولى تقدمت قبله، والجملة الثانية تقدمت في كتاب العلم من حديث أنس، وغيره، والجملة الثالثة رواها أبو يعلى من حديث أنس، وفيها زياد النميري ضعيف، وروى ابن عدي الجملتين الأخيرتين في ترجمة سليمان الشاذكوني من حديث بريدة. انتهى .

قلت: وروى البيهقي هذه الجمل الثلاثة معا في الشعب من حديث ابن عباس، وفيه طلحة بن عمرو، قال الذهبي: قال أحمد: متروك الحديث .

(وقال صلى الله عليه وسلم: كل معروف فعلته إلى غني أو فقير صدقة) .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من حديث أبي سعيد، وجابر، والطبراني، والخرائطي كلاهما في مكارم الأخلاق، ومن حديث ابن مسعود، وابن منيع من حديث ابن عمر بإسنادين ضعيفين. ا ه .

قلت: حديث جابر رواه أيضا الخطيب في الجامع، وابن عساكر في التاريخ بلفظ: صنعته بدل: فعلته، وفيه صدقة، وحديث ابن مسعود رواه أيضا ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج، وحديث ابن عمرو رواه ابن أبي الدنيا أيضا في الكتاب المذكور (وروي) في الإسرائيليات: (إن الله تعالى أوحى إلى موسى - عليه السلام -: لا تقتل السامري، فإنه سخي) ، وهو رجل من اليهود قصته مذكورة في القرآن، وطائفة من اليهود ينتسبون إليه، وذكر المسعودي أنهم ينكرون نبوة داود، ومن بعده من الأنبياء، ويقولون: لا نبي بعد موسى، وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون بن عمران، ويقولون: لا مساس، ويزعمون أن نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب - عليه السلام .

(وقال جابر) بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنه - (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا) ، أي: سرية (ولى عليهم قيس بن سعد بن عبادة) بن دليم بن حارثة بن الخزرج الأنصاري الخزرجي، صحابي ابن صحابي - رضي الله عنهما - مات سنة ستين، أو بعدها، روى له الجماعة (فجهدوا) بالضم مبنيا للمفعول، أي: أصابهم الجهد (فنحر لهم قيس تسع ركائب) جمع ركوبة بالفتح، وهي الناقة تركب (فحدثوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك) لما قدموا (فقال صلى الله عليه وسلم: إن الجود لمن شيمة أهل ذلك البيت) يشير به إلى بيت سعد بن عبادة، فإنهم مشهورون بالجود، والإطعام من آبائهم .

قال العراقي: رواه الدارقطني في المستجاد من رواية أبي حمزة الحميري، عن جابر، ولا يعرف اسمه، ولا حاله. ا ه .

قلت: ورواه أيضا أبو بكر الشافعي في الغيلانيات ، وابن عساكر بسياق المصنف، عن جابر، عن عبد الله، ورواه ابن عساكر أيضا عن جابر بن سمرة، وقول المصنف يحتمل أن يكون جابر الأنصاري، وأن يكون جابر بن سمرة.




الخدمات العلمية