الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وعن الأصبغ بن نباتة قال: كأني أنظر إلى عمر رضي الله عنه معلقا لحما في يده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرة، يدور في الأسواق حتى دخل رحله ، وقال بعضهم: «رأيت عليا رضي الله عنه قد اشترى لحما بدرهم، فحمله في ملحفته، فقلت له: أحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل». ومنها اللباس؛ إذ يظهر به التكبر والتواضع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: « البذاذة من الإيمان » فقال هارون سألت معنا عن البذاذة فقال : هو الدون من اللباس .

وقال زيد بن وهب رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى السوق وبيده الدرة ، وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة ، بعضها من أدم وعوتب علي كرم الله وجهه في إزار مرقوع ، فقال : « يقتدي به المؤمن ، ويخشع له القلب » . .

التالي السابق


(وعن الأصبغ بن نباتة) بضم النون، التميمي الحنظلي الكوفي، يكنى أبا القاسم، متروك، رمي بالرفض، روى له ابن ماجه (قال: كأني أنظر إلى عمر -رضي الله عنه- معلقا لحمة في يده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرة، يدور في الأسواق حتى دخل رحله) أي: منزله .

رواه يونس بن بكير، عن الوليد بن عبدة، عن أصبغ بن نباتة قال: "خرجت أنا وأبي من زرود حتى ننتهي إلى المدينة في غلس، فانصرف الناس من الصلاة، فرفع إلينا رجل معه درة، فقال: يا أعرابي أتبيع؟ فلم يزل حتى راضاه على ثمن، وإذا هو عمر، فجعل يطوف في السوق يأمرهم بتقوى الله، فجعل يقبل ويدبر، ثم مر على أبي فقال: حبستني، ثم مر الثانية فقال له كذلك، فيرد عليه عمر: لا أريم حتى أوفيك، ثم مر الثالثة، فوثب أبي مغضبا، فأخذ بثوب عمر فقال له: كذبتني وظلمتني، ولهزه، فوثب المسلمون إليه، يا عدو الله، لهزت أمير المؤمنين، فأخذ عمر بمجامع ثياب أبي، فجره، وكان شديدا، فانتهى به إلى قصاب، فقال: عزمت عليك لتعطين هذا حقه ولك ربحي، قال: لا يا أمير المؤمنين، ولكن أعطيه وأهبك ربحك، فأعطاه، فقال لأبي استوفيت؟ قال: نعم، قال: بقي حقنا عليك، لهزتك قد تركتها لله، قال أصبغ: فكأني أنظر إلى عمر أخذ ربحه لحما، فعلقه في يده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرة حتى دخل رحله" أخرجه الذهبي في مناقب عمر.

(وقال بعضهم: "رأيت عليا -رضي الله عنه- اشترى لحما بدرهم، فحمله في ملحفته، فقلت له: أحمل عنك يا أمير المؤمنين، قال: لا، أبو العيال أحق أن يحمل".

ومنها اللباس؛ إذ يظهر به التكبر والتواضع، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البذاذة من الإيمان") قال العراقي: رواه أبو داود، وابن ماجه، من حديث أبي أمامة بن ثعلبة، وقد تقدم .

قلت: وكذلك رواه أحمد، والطبراني، والحاكم في الكنى، والبيهقي، وأبو نعيم، والضياء من رواية صالح بن أبي صالح، عن عبد الله بن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي، عن أبيه، رفعه، قاله ثلاثا .

(قال هارون) أحد رواة هذا الحديث، وهو هارون بن سعيد الأيلي السعدي، مولاهم، أبو جعفر، نزيل مصر، ثقة، فاضل، مات سنة ثلاث وخمسين وله ثلاث وثمانون سنة: (سألت معنا) يحتمل أن يكون ابن عيسى القزاز من أصحاب مالك، أو معن بن محمد بن معن الغفاري (عن البذاذة) وفي بعض النسخ: قال هارون: سألت عن معنى [ ص: 381 ] البذاذة (فقال: هو الدون من الثياب) اعلم أن البذاذة هي رثاثة الهيئة، وترك الترفه في البدن والملبس، وجعله من أخلاق أهل الإيمان؛ لأن المؤمن يؤثر الخمول بين الناس، ويقصد التواضع، ويزهد في الدنيا، ويكف نفسه عن الفخر والكبرياء، فالبذاذة أليق به، هذا إذا قصد به ذلك، لا أن يظهر به الفقر ويصون المال، فليس هذا من الإيمان، بل عرض النعمة للكفران، وأعرض عن شكر المنعم المنان .

(وقال زيد بن وهب) الجهني أبو سليمان الكوفي، مخضرم، ثقة، جليل، مات بعد الثمانين، وقيل: سنة تسعين، وروى له الجماعة: (رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خرج إلى السوق وبيده الدرة، وعليه إزار فيه أربع عشرة رقعة، بعضها من أدم) رواه علي بن هاشم، عن الأعمش، عن زيد بن وهب.

وقال أسد بن موسى: حدثنا أبو سفيان عطية، سمعت مالك بن دينار، حدثني نافع، حدثني ابن عمر "أنه رأى عمر يرمي الجمرة، عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، بعضها من أدم".

وقال أسباط بن محمد، عن خالد، عن أبي كريمة، عن أبي محصن الطائي: "صلى بنا عمر وعليه إزار فيه رقاع، بعضها من أدم، وهو أمير المؤمنين".

وقال عفان: حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا الجريري، عن أبي عثمان النهدي قال: "رأيت عمر يطوف عليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة، إحداهن من أدم أحمر".

وقال حماد بن زيد، عن ابن جدعان، عن أبي عثمان قال: "رأيت إزار عمر قد رقعه بقطعة من أدم".

وقال جعفر بن سلمان: حدثنا مالك بن دينار، حدثنا الحسن "أن عمر خطب وهو خليفة وعليه إزار فيه اثنتا عشرة رقعة".

وقال معمر، عن ثابت، عن أنس قال: "نظرت في قميص عمر، فإذا بين كتفيه أربع رقاع، لا يشبه بعضها بعضا".

وقال سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: "كان بين كتفي عمر ثلاث رقاع".

وقال حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: "كنا عند عمر وفي ظهر قميصه أربع رقاع".

(وعوتب علي -كرم الله وجهه- في إزار مرقوع، فقال: "يقتدي به المؤمن، ويخشع له القلب") رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد، عن علي بن حكيم، ورواه أبو القاسم البغوي، عن علي بن الجعد، قالا: حدثنا شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن زيد بن وهب قال: "قدم على علي وفد من أهل البصرة، فيهم رجل من رؤوس الخوارج، يقال له الجعد بن بعجة، فعاتب عليا في لبوسه، فقال علي: ما لك وللبوسي؟ إن لبوسي أبعد من الكبر، وأجدر أن يقتدي به المسلم.




الخدمات العلمية