الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان صلى الله عليه وسلم يقول : أنا أشبه الناس بآدم صلى الله عليه وسلم وكان أبي إبراهيم صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بي خلقا وخلقا .

التالي السابق


(وكان صلى الله عليه وسلم يقول : أنا أشبه الناس بآدم صلى الله عليه وسلم - وكان أبي إبراهيم أشبه الناس بي خلقا وخلقا ) رواه البيهقي كذلك وإلى هنا تم الحديث الذي ساقه المصنف من أوله وهو من قوله بيان صورته ، وخلقته ، ولنذكر أولا سياق العراقي ، ثم نتبعه سياق البيهقي في الدلائل .

قال العراقي : قوله كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد . الحديث بطوله رواه أبو نعيم في دلائل النبوة ، من حديث عائشة بزيادة ونقصان ، دون شعر أبي طالب ، ودون قوله : وربما جعل شعره على أذنيه فتبدو سوالفه تتلألأ ، ودون قوله : وكان واسع الجبهة ، إلى قوله : وكان سهل الخدين ، وفيه صبيح بن عبد الله الفرغاني ، منكر الحديث ، قاله الخطيب اهـ .

قلت : قد أورد البيهقي في الدلائل الحديث المذكور بتمامه كسياق المصنف ، وفيه زيادات من طريق هذا الرجل ، ولم أجد له ذكر في كتب الضعفاء والمتروكين ، وهذا نص البيهقي في الدلائل ، قال : وقد روى صبيح بن عبد الله الفرغاني وليس بالمعروف حديثا آخر في صفة النبي -صلى الله عليه وسلم - وأدرج فيه تفسير بعض ألفاظه ولم يبين قال : تفسيره فيما سمعنا إلا أنه يوافق جملة ما روينا في الأحاديث الصحيحة ، والمشهورة ، فرويناه والاعتماد على ما مضى ، أخبرناه أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يوسف المؤذن ، قال : حدثنا محمد بن عمران النسوي ، ثنا أحمد بن زهير ، ثنا صبيح بن عبد الله الفرغاني ، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد ، ثنا جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وهشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - في قامته أنه لم يكن بالطويل البائن ولا المشذب الذاهب المشذب الطويل نفسه إلا أنه المخفف ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة ، إذا مشى وحده ، ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ، ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم ، وربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما ، فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى الربعة ، ويقول : نسب الخير كله إلى الربعة ، وكان لونه ليس بالأبيض الأمهق الشديد البياض الذي يضرب بياضه الشهبة ، ولم يكن بالآدم وكان أزهر اللون ، والأزهر الأبيض الناصع البياض الذي لا تشوبه حمرة ، ولا صفرة ، ولا شيء من الألوان ، وكان ابن عمر كثيرا ما ينشد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - نعت عمه أبي طالب إياه ، في لونه حيث يقول :


وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ويقول كل من سمعه : هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم - وقد نعته بعض من نعته بأنه كان مشرب حمرة ، وقد صدق من نعته بذلك ، ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحى للشمس والرياح ، فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة ، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر ، لا يشك فيه أحد فمن وصفه بأنه أبيض أزهر فعنى ما تحت الثياب ، فقد أصاب ومن نعت ما ضحى للشمس والرياح ، بأنه أزهر مشرب حمرة ، فقد أصاب ولونه الذي لا يشك فيه الأبيض الأزهر ، وإنما الحمرة من قبل الشمس والرياح ، وكان عرقه في وجهه مثل اللؤلؤ أطيب من المسك الأذفر ، وكان رجل الشعر حسنا ليس بالسبط ، ولا الجعد القطط ، كان إذا مشطه بالمشط كأنه حبك [ ص: 156 ] الرمل ، أو كأنه المبثوث الذي يكون في القدر إذا سفتها الرياح ، فإذا مكث لم يرجل ، أخذ بعضه بعضا ، وتحلق حتى يكون متحلقا ، كالخواتم كان أول مرة قد سدل ناصيته بين عينيه ، كما تسدل نواصي الخيل ، ثم جاءه جبريل عليه السلام - بالفرق ففرق فكان شعره فوق حاجبيه ، ومنهم من قال : كان يضرب شعره منكبيه ، وأكثر ذلك إذا كان إلى شحمة أذنيه ، وكان صلى الله عليه وسلم ربما جعله غدائر أربعا ، يخرج الأذن اليمنى من بين غديرتين يكتنفانها ، ويخرج الأذن اليسرى من بين غديرتين يكتنفانها ، وتخرج الأذنان ببياضهما من بين تلك الغدائر كأنها توقد الكواكب الدرية من سواد شعره ، وكان أكثر شيبه في الرأس في فودي رأسه ، والفودان حرفا الفرق ، وكان أكثر شيبه في لحيته فوق الذقن ، وكان يشبه كأنه خيوط الفضة ، يتلألأ من بين ظهر سواد الشعر الذي معه ، وإذا مس ذلك الشيب الصفرة ، كان كثيرا ما يفعل صار كأنه خيوط الذهب يتلألأ بين ظهر سواد الشعر الذي معه ، وكان أحسن الناس وجها وأنورهم لونا ، لم يصف واصف قط بلغتنا عنه ، إلا شبه وجهه بالقمر ليلة البدر ، ولقد كان يقول : من كان يقول منهم لربما نظرنا إلى القمر ليلة البدر فيقول : هو أحسن في أعيننا من القمر أزهر اللون نير الوجه ، يتلألأ تلألؤ القمر ، يعرف رضاه وغضبه في سروره بوجهه ، كان إذا رضي أو سر فكان وجهه المرآة ، وكأنما الدر يلاحك وجهه ، وإذا غضب تلون وجهه واحمرت عيناه ، قال : وكانوا يقولون : هو صلى الله عليه وسلم كما وصفه صاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه - :


أمين مصطفى للخير يدعو كضوء البدر زايله الظلام

ويقولون كذلك كان ، وكان ابن عمر كثيرا ما ينشد قول زهير بن أبي سلمى يقول لهرم بن سنان :


لو كنت من شيء سوى بشر كنت المضيء ليلة البدر

فيقول عمر : ومن سمع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ولم يكن كذلك غيره ، وكذلك قالت عمته عاتكة بنت عبد المطلب بعد ما سار من مكة مهاجرا فجزعت عليه بنو هاشم فانبعثت تقول :


أعيني جودا بالدموع السواجم على المرتضى كالبدر من بني هاشم
على المرتضى للبر والعدل والتقى وللدين والدنيا بهيج المعالم
على الصادق الميمون ذي الحلم والنهى وللفضل والداعي لخير التراحم

تشبهه بالبدر ونعتته بهذا النعت ووقعت في النفوس لما ألقى الله تعالى منه في الصدور وقد نعتته وإنها لعلى دين قومها ، وكان صلى الله عليه وسلم أجلى الجبين إذا طلع جبينه من بين الشعر ، أو اطلع في فلق الصبح ، أو عند طفل الليل ، أو طلع بوجهه على الناس تراءى جبينه كأنه ضوء السراج المتوقد يتلألأ ، وكانوا يقولون هو صلى الله عليه وسلم كما قال شاعره حسان بن ثابت :


متى يبدو في الداج البهيم جبينه يلح مثل مصباح الدجى المتوقد
فمن كان أو من قد يكون كأحمد نظام لحق أو نكال الملحد

وكان صلى الله عليه وسلم واسع الجبهة أزج الحاجبين ، سابغهما ، والأزج الحاجبين هما الحاجبان المتوسطان اللذان لا تعدو شعرة منها شعرة في النبات ، والاستواء من غير فرق بينهما وكان أبلج ما بين الحاجبين حتى كأن ما بينهما الفضة المخلصة بينهما عرق يدره الغضب لا يرى ذلك العرق إلا أن يدره الغضب ، والأبلج النقي ما بين الحاجبين من الشعر ، وكانت عيناه صلى الله عليه وسلم نجلاوين ، أدعجهما ، والعين النجلاء الواسعة الحسنة ، والدعج شدة سواد الحدقة لا يكون الدعج في شيء إلا في سواد الحدق ، وكان في عينيه تمزج من حمرة ، وكان أهدب الأشفار حتى تلتبس من كثرتها أقنى العرنين ، والعرنين المستوي الأنف من أوله إلى آخره ، وهو الأشم كان أفلج الأسنان ، أشنبها ، قال : والشنب أن تكون الأسنان متفرقة فيها طرائق مثل تقرض المشط ، إلا أنها حديدة الأطراف ، وهو الأثر الذي يكون أسفل الأسنان ، كأنه ماء يقطر في تفتحه ذلك وطرائقه ، وكان يتبسم على مثل البرد والمنحدر من متون الغمام ، فإذا افتر ضاحكا افتر عن مثل سنا البرق ، إذا [ ص: 157 ] تلألأ ، وكان أحسن عباد الله شفتين ، وألطفهم ختم فم سهل الخدين صلتهما قال : والصلت الخد الأسيل الخد المستوي الذي لا يفوت بعض لحمه بعضه بعضا ، ليس بالطويل الوجه ، ولا بالمكلثم كث اللحية ، والكث الكثير منابت الشعر ، وكانت عنفقته بارزة بفنيكيه حول العنفقة ، كأنها بياض اللؤلؤ في أسفل عنفقته شعر منقاد حتى يقع انقيادها على شعر اللحية ، حتى يكون كأنه منها ، والفنيكان هما مواضع الطعام حول العنفقة من جانبيها جميعا ، وكان أحسن عباد الله عنقا لا ينسب إلى الطول ولا إلى القصر ما ظهر من عنقه للشمس والرياح كأنه إبريق فضة يثوب ذهبا يتلألأ في بياض الفضة ، وحمرة الذهب ، وما غيبت الثياب من عنقه ما تحتها فكأنه القمر ليلة البدر ، وكان عريض الصدر ممسوحه ، كأنه المرآة في شدتها ، واستوائها لا يعدو بعض لحمه بعضا على بياض القمر ليلة البدر موصول ما بين لبته إلى سرته شعر منقاد كالقضيب لم يكن في صدره ولا بطنه شعرة غيره ، وكان له صلى الله عليه وسلم عكن ثلاث يغطي الإزار منها واحدة ، وتظهر ثنتان ومنهم من قال : يغطي الإزار منها ثنتين وتظهر واحدة تلك العكن أبيض من القباطي المطواة وألين مسا ، وكان عظيم المنكبين أشعرهما ضخم الكراديس ، والكراديس عظام المنكبين ، والمرفقين والركبتين ، والوركين ، وكان جليل الكتد ، قال : والكتد مجتمع الكتفين والظهر واسع الظهر بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو مما يلي منكبه الأيمن ، وفيه شامة سوداء تضرب إلى الصفرة ، حولها شعرات متواليات ، كأنهن من عرف فرس ، ومنهم من قال : كانت شامة النبوة بأسفل كتفه خضراء منحفرة في اللحم قليلا ، وكان طويل مسربة الظهر ، والمسربة الفقار الذي في الظهر من أعلاه إلى أسفله ، وكان عبل العضدين والذراعين ، طويل الزندين ، والزندان العظمان اللذان في ظاهر الساعدين ، وكان نعم الأوصال ضبط العصب شثن الكف رحب الرائحة ، سائل الأطراف ، كأن أصابعه قضبان فضة كفه ألين من الخز ، وكأن كفه كف عطار طيبا مسها بطيب ، أو لم يمسها يصافحه المصافح ، فيظل يومه يجد ريحها ، ويضعها على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان من ريحها على رأسه ، وكان عبل ما تحت الإزار من الفخذين والساق ، شثن القدم غليظهما ليس لهما خمص .

منهم من قال : كان في قدمه شيء من خمص يطأ الأرض بجميع قدميه ، معتدل الخلق بدن في آخر زمانه ، وكان بذلك البدن متماسكا ، وكاد يكون على الخلق الأول لم يضره السن ، وكان فخما مفخما في جسده كله ، إذا التفت التفت جميعا ، وإذا أدبر أدبر جميعا ، وكان صلى الله عليه وسلم فيه شيء من الصرر والصرر الرجل الذي كأنه يلمح الشيء ببعض وجهه ، وإذا مشى فكأنه يتقلع من صخر ، وينحدر في صبب يخطو تكفيا ، ويمشي الهوينا بغير عثر ، والهوينا تقارب الخطا ، والمشي على الهينة فيذر القوم إذا سارع إلى خير أو مشى إليه ، ويسوقهم إذا لم يسارع إلى شيء بمشية الهوينا ، وترفعه فيها .

وكان صلى الله عليه وسلم يقول : "أنا أشبه الناس بأبي آدم عليه السلام ، وكان أبي إبراهيم خليل الرحمن أشبه الناس بي خلقا وخلقا ، صلى الله عليه وسلم ، وعلى جميع أنبياء الله " وأخبرناه عاليا القاضي أبو عمر محمد بن الحسين قال : حدثنا سليمان بن أحمد بن أيوب ، ثنا محمد بن عبدة المصيصي من كتابه ، حدثنا صبيح بن عبد الله القرشي أبو محمد قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، وهشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها - قالت كان من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن بالطويل البائن ولا بالمشذب الذاهب ، قال وساق الحديث في صفته صلى الله عليه وسلم بهذا .



(فصل) * قد سبقت الإشارة إلى حديث هند بن أبي هالة وهو أجمع حديث في شمائله صلى الله عليه وسلم الظاهرة والباطنة ، وقد أخرجه الترمذي في الشمائل والبغوي ، والطبراني والبيهقي في الدلائل من طرق عن الحسن بن علي عنه ، ووقع لنا بعلو في نسخة أبي علي بن شاذان من طريق أهل البيت أخرجها البغوي ، أيضا وأخرجه ابن منده من طريق يعقوب التميمي عن ابن عباس ، أنه قال لهند بن أبي هالة صف لي النبي صلى الله عليه وسلم - فأحببت أن أورده هنا من طريق البيهقي ثم أتبعه بحديث أم معبد الخزاعية ، فإنه ذكر فيه ما لم يذكره غيرها من غرائب الصفات ، فأقول :

أخبرنا بكتاب دلائل النبوة للبيهقي المسند عمر بن [ ص: 158 ] أحمد بن عقيل الحسيني قراءة عليه من أوله وإجازة لسائره ، قال : أخبرنا كذلك حافظ الحجاز عبد الله بن سالم البصري ، قال : أخبرنا كذلك الحافظ شمس الدين محمد بن العلاء ، قال : أخبرنا كذلك النور علي بن يحيى الزيات ، قال : أخبرنا كذلك المسند يوسف بن زكريا الأنصاري ، قال : أخبرنا الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي ، سماعا عليه ، قال : أخبرنا الحافظ أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر سماعا عليه ، قال : أخبرنا السراج عمر بن رسلان البلقيني سماعا عليه ، لجميعه ، أخبرنا الحجاج بن يوسف الزكي المزني ، إجازة ، أخبرنا الرشيد محمد بن أبي بكر العامري ، سماعا ، أخبرنا أبو القاسم بن الحرستاني سماعا أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي إجازة ، أخبرنا الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي سماعا ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ لفظا ، وقراءة عليه ، قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العقيقي صاحب كتاب النسب ببغداد ، قال : حدثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو محمد بالمدينة ، سنة 294 .

قال : حدثني علي بن جعفر بن محمد عن أبي محمد بن علي ، عن علي بن الحسين قال : قال الحسين بن علي : سألت خالي هند بن أبي هالة عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان وصافا أرجو أن يصف لي شيئا أتعلق به حينئذ قال البيهقي ، وأخبرنا أبو الحسين بن المفضل القطان ببغداد ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه النحوي ، حدثنا يعقوب بن سفيان النسوي ، ثنا سعيد بن حماد الأنصاري المصري ، وأبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، قالا : حدثنا جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي ، قال : حدثني رجل بمكة عن ابن لأبي هالة التميمي عن الحسن بن علي قال : سألت خالي هند بن أبي هالة ، وكان وصافا عن حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر ، إن انفرقت عقيقته فرق " .

وفي رواية العلوي : "عقيصته ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره ، أزهر اللون واسع الجبين ، أزج الحواجب سوابغ في غير قرن ، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله أشم ، كث اللحية ، سهل الخدين " .

وفي رواية العلوي : "أدعج ، سهل الخدين ، ضليع الفم أشنب مفلج الأسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة ، معتدل الخلق بادن متماسك ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر " .

وفي رواية العلوي : "فسيح الصدر بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرد موصول ما بين اللبة ، والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، وأعالي الصدر ، طويل الزندين رحب الراحة " ، وفي رواية العلوي "رحب الجبهة سبط القصب شثن الكفين والقدمين " لم يذكر العلوي القدمين "سائل الأطراف ، خمصان الأخمصين ، مسيح القدمين ، ينبو عنهما لماء إذا زال زال قلعا ، يخطو تكفيا ويمشي هونا ، ذريع المشية ، إذا مشى ، كأنما ينحط من صبب ، إذا التفت التفت معا " .

وفي رواية العلوي : "جميعا خافض الطرف ، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يسوق أصحابه يبتدر " .

وفي رواية العلوي : "يبدأ من لقي بالسلام ، قلت : صف لي منطقه ، قال : كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم - متواصل الأحزان ، دائم الفكرة " .

وفي رواية العلوي : "الفكر ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة ، طويل السكتة " .

وفي رواية العلوي : "السكوت يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم ".

وفي رواية العلوي : "الكلام فصل لا فضول ، ولا تقصير رمث ليس بالجافي ، ولا بالمهين يعظم النعمة ، وإن دقت لا يذم منها شيئا ، لا يذم ذواقا ولا يمدحه " .

وفي رواية العلوي : "لم يكن ذواقا ولا مدحة لا يقوم لغضبه إذا تعرض الحق شيء حتى ينتصر له " ، وفي الرواية الأخرى : "لا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له ، لا يغضب لنفسه ، ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى " ، وفي رواية العلوي : "فيضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض [ ص: 159 ] طرفه ، وجل ضحكه التبسم ، ويفتر عن مثل حب الغمام " ، قال : فكتمتها الحسين بن علي زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، فسأله عما سألته عنه ، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومجلسه ، ومخرجه ، وشكله ، فلم يدع منه شيئا ، فذكر الحديث بطوله ، وهو مذكور في الشمائل للترمذي مع اختلاف ألفاظ في سياقه ، نبه عليه البيهقي .

وأما حديث أم معبد الخزاعية ، فقد رواه البغوي وابن شاهين ، وابن السكن ، والطبراني ، وابن منده ، والبيهقي وغيرهم من طريق حرام بن هشام بن حبيش ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد بن سعد بن منقذ بن ربيعة بن حرام الخزاعي ، ويقال له : حبيش الأشعري ، وهو لقب والده خالد ، وهو أخو أم معبد ، واسمها عاتكة بنت خالد ، ولهما صحبة ، وأورده ابن السكن من حديث أم معبد نفسها ، فقال حرام بن هشام بن حبيش بن خالد : سمعت أبي يحدث عن أم معبد ، وهي عمته فساق القصة وأنقله هنا من كتاب الدلائل للبيهقي فإنه ساق الحديث بطوله .

فبالسند المتقدم إليه قال : أخبرنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة ، من أصل كتابه قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن محمد بن مطر ، قال : حدثنا أبو زيد عبد الواحد بن يوسف بن أيوب بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار الخزاعي الكعبي ، بقديد إملاء قال : حدثني عمي سليمان بن الحكم عن جدي أيوب بن الحكم الخزاعي عن حرام بن هشام ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - .

ح وحدثنا أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين السليمي ، أخبرنا أبو عمرو بن مطر ، حدثنا محمد بن محمد بن سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار الخزاعي ، بقديد يعرف بأبي عبد الله بن أبي هشام الخزاعي ، قال : حدثنا أبي محمد بن سليمان ، ثنا عمي أيوب بن الحكم ، عن حرام بن هشام ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد قتيل البطحاء ، يوم فتح مكة ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - " .

ح وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أخبرنا أبو عمر بن مطر ، حدثنا أبو جعفر محمد بن موسى بن عيسى الحلواني ، حدثنا مكرم بن محرز بن مهدي ، حدثني أبي عن حرام بن هشام بن حبيش بن خالد ، عن أبيه ، عن جده حبيش بن خالد ، وهو أخو عاتكة بنت خالد ، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر ، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما الليثي عبد الله بن الأريقط مروا على خيمة أم معبد الخزاعية ، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة ، ثم تسقي وتطعم فسألوها لحما وتمرا ؛ ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك ، وكان القوم مرملين مسنتين ، فقالت : والله لو كان عندنا شاة ما أعوزناكم نحرها ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم - إلى شاة في كسر الخيمة ، فقال : ما هذه الشاة ، يا أم معبد قالت : شاة خلفها الجهد عن الغنم ، قال أبها من لبن ، وقال أبو زيد هل بها من لبن قالت : هي أجهد من ذلك ، قال : أتأذني لي أن أحلبها قالت : بأبي وأمي ، إن رأيت حلبا فاحلبها ، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فمسح بيده ضرعها ، وسمى الله تعالى ، ودعا لها في شاتها فتفاجت عليه ودرت واجترت ودعا بإناء يربض الرهط ، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء ، ثم سقاها حتى رويت وسقى أصحابه حتى رووا ثم شرب آخرهم ، صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا ثم حلب فيه ثانيا بعد بدا حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها ، ثم بايعها وارتحلوا عنها ، فقلما لبثت حتى جاءها زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا تساوك هزلا ضحا مخهن قليل ، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب ، وقال : من أين لك هذا اللبن يا أم معبد والشاء عازب حيال ، ولا حلوب في البيت ؟ فقالت : لا والله إلا أنه مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا ، قال : صفيه لي ، قالت : رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه ، حسن الخلق ، لم تعبه بخلة ، ولم تزره صعلة ، وسيم قسيم ، في عينيه دعج ، وفي أشفاره عطف ، وفي صوته مهل ، وفي عنقه سطع ، وفي لحيته كثاثة ، أزج أقرن ، إن صمت فعليه الوقار ، وإن تكلم سما وعلاه البهاء ، أجمل الناس وأبهاه من بعيد وأحلاه وأحسنه من قريب ، حلو المنطق ، فصل لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن ربعة لا بأس من طول ، ولا تقتحمه عين من قصر ، غصن بين غصنين ، فهو أنظر الثلاثة ، منظرا وأحسنهم قدرا له رفقاء يحضون به إن قال أنصتوا لقوله ، وإن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس ولا معتد ، صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو معبد : هو والله صاحب قريش ، الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة ولقد [ ص: 160 ] هممت أن أصحبه ، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك ، فأصبح صوت بمكة عاليا يسمعون الصوت ، ولا يدرون من قائله ، وهو يقول :


جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلا خيمتي أم معبد هما نزلاها بالهدى واهتدت بهم
فقد فاز من أمسى رفيق محمد فيا لقصي ما زوى الله عنكم
به من فعال لا تجارى وسؤدد ليهن بني كعب مقام فتاتهم
ومقعدها للمؤمنين بمرصد سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد دعاها بشاة حائل فتحلبت
له بصريح درت الشاة مزبد خفى درها رهنا لديها بحالب
يرددها في مصدر ثم مورد

فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم - شبب بها يجاوب الهاتف وهو يقول :


لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم وقد سر من يسري إليه ويغتد
ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجرد
هداهم به بعد الضلالة ربهم وأرشدهم من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا عما يتهم هاد به كل مهتد
وقد نزلت منه على أهل يثرب ركاب هدى حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده بصحبته من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم ومقعدها للمؤمنين بمرصد

هذا لفظ حديث أبي نصر بن قتادة ، وحدثنا أبو عبد الله الحافظ ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن عمرو الأحمسي ، ثنا الحسين بن حميد بن الربيع الخباز ، ثنا سليمان بن الحكم بن أيوب بن سليمان بن ثابت بن يسار الخزاعي ، ثنا أخي أيوب بن الحكم بن سالم بن محمد الخزاعي ، جميعا عن حرام بن هشام ، فذكره نحوه بنقصان يتبين من شعر حسان في آخره ، وقد ذكرهما في موضع آخر ورواه يعقوب بن سفيان النسوي ، عن مكرم بن محرز دون الأشعار ، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا أبو القاسم مكرم بن محرز بن المهدي ، فذكره .

وحدثنا أبو عبد الله الحافظ إملاء ، أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ، وعبد الله بن محمد الدورقي ، ومخلد بن جعفر ، قال الأول : حدثنا الحسين بن محمد بن زياد ، وجعفر بن محمد بن سوار ، وقال الثاني : حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام ، وقال الثالث : حدثنا محمد بن جرير ، قالوا كلهم : ثنا مكرم بن محرز ، والله أعلم ، وقد وجدت حديثا آخر في صفته صلى الله عليه وسلم ، أخرجه البيهقي في الدلائل .

وبالسند المتقدم إليه قال : أخبرنا أبو الحسين بن الفضل ، أخبرنا عبد الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، ثنا فيض البجلي ، ثنا سالم بن سكين ، عن مقاتل بن حبان ، قال أوحى الله عز وجل إلى عيسى بن مريم جد في أمري ، ولا تهزل واسمع وأطع يا ابن الطاهر البكر البتول ، إني خلقتك من غير فحل ، فجعلتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل فسر لأهل سوران بالسريانية ، بلغ من بين يديك ، إني أنا الله الحي القيوم ، الذي لا أزول صدقوا النبي الأمي العربي ، صاحب الجمل ، والمدرعة ، والعمامة ، والنعلين ، والهراوة ، الجعد الرأس الصلت الجبين ، المفروق الحاجبين ، الأنحل العينين ، الأهدب الأشفار ، الأدعج العينين ، الأقنى الأنف ، الواضح الجبين ، الكث اللحية ، عرقه في وجهه ، كأنه اللؤلؤ ، ريح المسك ينضح منه ، كأن عنقه إبريق فضة ، وكأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من لبته إلى سرته تجري كالقضيب ليس على صدره ، ولا على بطنه شعر غيره ، شثن الكف ، والقدم ، إذا جامع الناس غمرهم ، وإذا مشى كأنما يتقلع من الصخر ، وينحدر في [ ص: 161 ] صبب ذا النسل القليل ، وكأنه أراد الذكور من صلبه .




الخدمات العلمية