الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأطعم النفر الكثير في منزل جابر وفي منزل أبي طلحة .

التالي السابق


(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه (أطعم النفر الكثير في منزل جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه - قال العراقي : متفق عليه من حديثه اهـ .

قلت : وهو أن جابرا في غزوة الخندق ، قال : انكفأت إلى امرأتي فقلت : هل عندك شيء ؛ فإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم - مجوعا شديدا ، فأخرجت جرابا فيه صاع من شعير ، ولنا بهيمة داجن ، أي : شاة سمينة فذبحتها أي أنا ، وطحنت ، أي : زوجتي الشعير ، حتى جعلنا اللحم في البرمة ، ثم جئته صلى الله عليه وسلم وأخبرته الخبر سرا ، وقلت له : تعال أنت ونفر معك فصاح بأهل الخندق ، أن جابرا صنع سورا بالضم وسكون الواو فارسية [ ص: 167 ] أي طعاما يدعو إليه الناس ، فحيهلا بكم ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تنزلن برمتكم ، ولا تخبزن عجينكم حتى أجيء ، فجاء ، فأخرجت له عجينا فبصق فيه ، وبارك ، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك ، ثم قال : ادع خابزة لتخبز معك ، واقدحي أي اغرفي من برمتكم ، ولا تنزلوها ، وهم ألف ، فأقسم بالله لأكلوا حتى تركوه وانحرفوا ، وإن برمتنا لتغط ويسمع غطيطها كما هي ، وإن عجيننا ليخبز كما هو " ، رواه الشيخان .

فأخرجه البخاري عن عمر بن علي ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان ، قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : "لما حفر الخندق رأيت برسول الله صلى الله عليه وسلم - خمصا شديدا ، فأتيت زوجتي " ورواه مسلم ، عن حجاج بن الشاعر ، عن أبي عاصم ، ورواه البيهقي في الدلائل من طريق عباس بن محمد الدوري ، عن أبي عاصم .

(و) من معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه أطعم النفر الكثير في (منزل أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري البدري رضي الله عنه - المتوفى سنة أربع وثلاثين من الهجرة ، قال العراقي : متفق عليه من حديث أنس اهـ .

قلت : رواه مسلم من طريق حرملة ، والبيهقي ، وأبو نعيم كلاهما في الدلائل من طريق هارون بن معروف ، واللفظ له ، كلاهما عن ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة أن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ، حدثه أنه سمع أنس بن مالك ، قال : "جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يوما فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة ، قال أسامة -وأنا أشك على حجر - فقلت لبعض أصحابه : لم عصب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : من الجوع ، فذهبت إلى أبي طلحة ، وهو زوج أم سليم بنت ملحان ، فقلت : يا أبتاه ، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قد عصب بطنه بعصابة ، فسألت بعض أصحابه ، فقال : من الجوع ، فدخل أبو طلحة على أمي ، فقال : هل من شيء ؟ فقالت : نعم عندي كسر من خبز ، وتمرات ، فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أشبعناه ، وإن جاء معه بأحد قل عنهم ، فقال لي أبو طلحة : اذهب يا أنس فقم قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإذا قام فدعه ، حتى يتفرق أصحابه ، ثم اتبعه حتى إذا قام على عتبة بابه ، فقل : أبي يدعوك ففعلت ذلك فلما قلت : إن أبي يدعوك قال لأصحابه : يا هؤلاء تعالوا ، ثم أخذ بيدي فشدها ، ثم أقبل بأصحابه حتى إذا دنونا من بيتنا أرسل يدي ، فدخلت وأنا حزين ؛ لكثرة من جاء به ، فقلت " يا أبتاه ، قد قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي قلت لي ، فدعا أصحابه ، فقد جاءك بهم ، فخرج أبو طلحة إليهم ، فقال : يا رسول الله ، إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ، ولم يكن عندي ما يشبع من أرى ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ادخل ، فإن الله عز وجل سيبارك فيما عندك ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال : اجمعوا ما عندكم ، ثم قربوه ، وجلس من معه بالسكة فقربنا ما كان عندنا من كسر وتمر ، فجعلناه على حصيرنا ، فدعا فيه بالبركة ، فقال يدخل عليه ثمانية ، فأدخلت ثمانية ، فجعل كفه فوق الطعام فقال : كلوا وسموا الله تعالى ، فأكلوا من بين أصابعه حتى شبعوا ، ثم أمرني أن أدخل عليه ثمانية ، وقام الأولون ، ففعلت فدخلوا ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم أمرني فأدخلت عليه ثمانية ، فما زال كذلك حتى دخل عليه ثمانون رجلا ، كلهم يأكل حتى يشبع ، ثم دعاني ، ودعا أبي أبا طلحة ، فقال : كلوا فأكلنا حتى شبعنا ، ثم رفع يده ، فقال : يا أم سليم ، أين هذا من طعامك حين قدمتيه ؟ قالت : بأبي وأمي أنت لولا أني رأيتهم يأكلون لقلت : ما نقص من طعامنا شيء " .

وسيأتي قريبا عند قوله ، ومرة أكثر من ثمانين ما يشبه هذه القصة ، وفيه : "أنه أدخلهم عشرة عشرة " ودل ظاهر مغايرة المصنف بينهما على تعدد القصة ، وهو الذي استظهره الحافظ ابن حجر في فتح الباري .




الخدمات العلمية