الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  " وقوله تعالى " يجوز بالرفع والجر ، بحسب عطفه على قوله : " عمل صالح قبل القتال " ، قيل : لا مناسبة بين الترجمة والآية . ورد بأنها موجودة من حيث إن الله عاتب من قال بما لا يفعل وأثنى على من وفى وثبت عند القتال ، والثبات عنده من أصلح الأعمال . وقال الكرماني : والمقصود من ذكر هذه الآية ذكر صفا ، أي : صافين أنفسهم أو مصفوفين ، إذ هو عمل صالح قبل القتال . وقيل : يجوز أن يراد استواء بنيانهم في البناء حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان . وقيل : مفهومه مدح الذين قالوا وعزموا وقاتلوا ، والقول فيه والعزم عملان صالحان . قوله : " يا أيها الذين " إلى آخره ، قال : مقاتل في تفسيره قوله : " يا أيها الذين آمنوا " إلى آخره ، يعظهم بذلك ، وذلك أن المؤمنين قالوا : لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا ؟ فأنزل الله تعالى : " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله " يعني : في طاعته " صفا كأنهم بنيان مرصوص " ، فأخبر الله تعالى بأحب الأعمال إليه بعد الإيمان ، فكرهوا القتل ، فوعظهم الله وأدبهم ، فقال : " لم تقولون ما لا تفعلون " . وفي تفسير النسفي قيل : إن الرجل كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : فعلت كذا وكذا ، وما فعل . فنزلت : " لم تقولون ما لا تفعلون " . وقال الضحاك : كان الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل ، وطعنت ولم يطعن ، وصبرت ولم يصبر ، فنزلت هذه الآية . وقال ابن عباس : كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون : وددنا لو أن الله تعالى دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به ؟ فأخبرهم الله تعالى أن أفضل الأعمال الجهاد ، وكره ذلك ناس منهم وشق عليهم الجهاد وتباطئوا عنه فنزلت هذه الآية . وقال ابن زيد : نزلت في المنافقين ، كانوا يعدون المؤمنين النصر ويقولون : لو خرجتم خرجنا معكم ونصرناكم ، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم نكصوا عنه ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لم " هي لام الإضافة ، داخلة على ما الاستفهامية ، كما دخل عليها غيرها من حروف الجر في قولك : بم ، وفيم ، وعم ، وإلام ، وعلام ، وإنما حذفت الألف لأن ما والحرف كشيء واحد ووقع استعمالها كثيرا في كلام المستفهم . وقال الحسن : إنما بدأهم بالإيمان تهكما بهم لأن الآية نزلت في المنافقين وبإيمانهم . قوله : " كبر مقتا " هذا من أفصح الكلام وأبلغه في معناه قصد في كبر التعجب من غير لفظه ، ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين ، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله ، وأسند " كبر " إلى " أن تقولوا " ونصب " مقتا " على تفسيره دلالة على أن قولهم " ما لا يفعلون " مقت خالص لا شوب فيه ، لفرط تمكن المقت منه ، واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض وأبلغه . قوله : " صفا " أي : صافين أنفسهم أو مصفوفين . قوله : " مرصوص " أي : كأنهم في تراصهم من غير فرجة ، بنيان رص بعضه إلى بعض .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية