الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2867 231 - حدثنا قتيبة بن سعيد قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله ، قال محمد بن مسلمة : أتحب أن أقتله يا رسول الله قال : نعم ، قال : فأتاه فقال : إن هذا ، يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ، قد عنانا وسألنا الصدقة ، قال : وأيضا والله لتملنه ، قال : فإنا قد اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره ، قال : فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأن الذي وقع من محمد بن مسلمة في قتل كعب بن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا ، وأجيب بوجود المطابقة ، فإن محمد بن مسلمة قال : فأذن لي فأقول ، قال : قد فعلت ، فإنه يدخل فيه الإذن في الكذب تصريحا وتلويحا ، فإن قلت : ليس في حديث الباب هذا ، قلت : هذه الزيادة ثابتة في حديث الباب الذي يليه ، والحديث واحد في الأصل ، عن جابر ، على أنه قد جاء من ذلك صريحا فيما أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا : لا يحل الكذب إلا في ثلاث ، يحدث الرجل امرأته ليرضيها ، والكذب في الحرب ، وفي الإصلاح بين الناس ، وقال النووي : الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة ، لكن التعريض أولى .

                                                                                                                                                                                  والحديث قد مضى في كتاب الشركة في باب رهن السلاح ، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله ، عن سفيان ، عن عمرو ، عن جابر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من لكعب بن الأشرف " أي من لقتله ، ومن مبتدأ ، ولكعب خبره ، وكعب بن الأشرف ضد الأخس اليهودي القرظي ، وكان يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤذيه ، قوله : " قال محمد بن مسلمة " بفتح الميم واللام الأنصاري الحارثي ، قوله : " قد آذى الله " فيه حذف أي آذى رسول الله ، وأذاه لرسول الله هو أذى لله ; لأنه لا يرضى به ، قوله : " أتحب " الهمزة فيه للاستفهام ، وكلمة " أن " في " أن أقتله " مصدرية والتقدير [ ص: 277 ] أتحب قتله ، قوله : " قد عنانا " بفتح النون المشددة أي أتعبنا ، وهذا من التعريض الجائز بل من المستحسن ; لأن معناه في الباطن أدبنا بآداب الشريعة التي فيها تعب لكنه تعب في مرضاة الله تعالى ، والذي فهم المخاطب هو العناء الذي ليس بمحبوب ، قوله : " وسألنا " بفتح الهمزة وفتح اللام ، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والصدقة منصوب ; لأنه مفعول ثان ، قوله : " وأيضا والله لتملنه " أي والله بعد ذلك تزيد ملالتكم عنه وتتضجرون عنه أكثر وأزيد من ذلك ، فإن قلت : هذا غدر فكيف جاز ، قلت : حاشا ; لأنه نقض العهد بإيذائه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال المازري : نقض عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهجاه وأعان المشركين على حربه ، فإن قلت : أمنه محمد بن مسلمة ، قلت : لم يصرح له بأمان في كلامه ، وإنما كلمه في أمر البيع والشراء والشكاية إليه والاستيناس به حتى تمكن من قتله ، وقيل في قتل محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف دلالة أن الدعوة ساقطة ممن قرب من دار الإسلام ، وكانت قضية محمد بن مسلمة في رمضان ، وقيل : في ربيع الأول ، والأول أشهر في السنة الثالثة من الهجرة ، وقال ابن إسحاق : أتى كعب المدينة فنزلها ، ولما جرى ببدر ما جرى قال : ويحكم أحق هذا ، وإن محمدا قتل أشراف العرب وملوكها ، والله إن كان هذا حقا لبطن الأرض خير من ظهرها ، ثم خرج حتى قدم مكة فنزل على المطلب بن أبي وداعة السهمي ، فأكرمه المطلب فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرض الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنشد الأشعار في ذلك ، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من لكعب بن الأشرف ، فقال محمد بن مسلمة الأنصاري أخو بني عبد الأشهل : أنا له يا رسول الله ، وسرد في ذلك كلاما كثيرا ، ثم قال : إنه اجتمع به وسأله أن يسلفه سلفا وجرى بينهما ما يتعلق بالرهن ، إلى أن قال : نرهنك اللامة ، يعني السلاح ، قال : نعم ، فواعده أن يأتيه بالحارث بن أوس وأبي عبس جابر بن عتيك وعباد بن بشر ، قال : فجاءوه فدعوه ليلا فنزل إليهم ، فقالت له امرأته : إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم ، فقال : إنما هو محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة ، وإن الكريم لو دعي إلى طعنة لأجاب .

                                                                                                                                                                                  وقال محمد : إني إذا جاء سأمد يدي ، فإذا استمكنت منه فدونكم ، قال : فنزل وهو متوشح ، فقال له : نجد منك ريح الطيب ، قال : نعم ، تحتي فلانة أعطر نساء العرب ، فقال محمد : أتأذن لي أن أشم منه ، قال : نعم ، فشم فتناول فشم ثم عاد فشم فلما استمكن منه قال : دونكم ، فقتلوه ، ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ، وحكى الطبري عن الواقدي قال : جاءوا برأس كعب بن الأشرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي كتاب شرف المصطفى : أن الذين قتلوا كعبا حملوا رأسه في المخلاة ، فقيل : إنه أول رأس حمل في الإسلام ، وقيل : بل رأس أبي غرة الجمحي الذي قال له النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين " فقتله واحتمل رأسه إلى المدينة في رمح ، وأما أول مسلم حمل رأسه في الإسلام فعمرو بن الحمق ، وله صحبة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية