الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2642 13 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا معاوية بن عمرو ، قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن حميد ، قال : سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ما من عبد يموت ، له عند الله خير ، يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها ، إلا الشهيد ; لما يرى من فضل الشهادة ، فإنه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى . قال : وسمعت أنس بن مالك ، عن [ ص: 94 ] النبي صلى الله عليه وسلم لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم من الجنة أو موضع قيد - يعني سوطه - خير من الدنيا وما فيها ، ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله : " ولو أن امرأة " إلى آخر الحديث ، لأنه قال في الترجمة : " الحور العين وصفتهن " والمذكور فيه صفتان عظيمتان من صفات الحور العين ، إحداهما قوله : " ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت " والأخرى قوله : " ولنصيفها " إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة ; الأول : عبد الله بن محمد بن عبد الله ، أبو جعفر الجعفي البخاري ، المعروف بالمسندي . الثاني : معاوية بن عمرو الأزدي البغدادي ، وقد مر في الجمعة . الثالث : أبو إسحاق ، اسمه إبراهيم بن محمد الفزاري ، سكن المصيصة من الشام . الرابع : حميد الطويل . الخامس : أنس بن مالك .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه السماع ، وفيه القول في موضع واحد . وفيه أن معاوية بن عمرو من شيوخ البخاري ، يروي عنه تارة بواسطة كما هنا وتارة بلا واسطة ، فإنه روى عنه في كتاب الجمعة بلا واسطة . ومن اللطائف فيه أنه مشتمل على أربعة أحاديث ; الأول : قوله " ما من عبد يموت " إلى قوله " مرة أخرى " ، الثاني : قوله " وسمعت أنس بن مالك " إلى قوله " وما فيها " ، الثالث : قوله " ولقاب قوس أحدكم " ، الرابع : قوله " ولو أن امرأة " إلى آخره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله : " يموت جملة وقعت صفة لعبد ، وكذلك قوله : " له عند الله خير " صفة أخرى ، قوله : " خير " أي : ثواب . قوله : " يسره " جملة وقعت صفة لقوله " خير " . قوله : " أن يرجع " ، كلمة " أن " مصدرية ، و" يرجع " لازم . قوله : " وأن له الدنيا " بفتح الهمزة عطف على " أن يرجع " ويجوز الكسر على أن يكون جملة حالية . قوله : " إلا الشهيد " مستثنى من قوله : " يسره أن يرجع " . قوله : " لما يرى " بكسر اللام التعليلية . قوله : " فيقتل " على صيغة المجهول ، بالنصب عطفا على " أن يرجع " . قوله : " قال وسمعت " أي قال حميد الراوي : سمعت . قوله : " لروحة " وقوله " ولقاب قوس " قد مر تفسيرهما عن قريب . قوله : " أو موضع قيد " ، قال الكرماني : قال بعضهم : وقع في النسخ : قيد بزيادة الياء ، وإنما هو بكسر القاف وتشديد الدال لا غير ، وهو السوط المتخذ من الجلد الذي لم يدبغ ، ومن رواه " قيد " بزيادة الياء أي مقداره ، فقد صحف ، قلت : لا تصحيف ، إذ معنى الكلام صحيح لا ضرورة إليه سلمنا أن المراد القد ، غاية ما في الباب أن يقال قلبت إحدى الدالين ياء وذلك كثير ، وفي بعضها قيد بدون الإضافة إلى الضمير مع التنوين الذي هو عوض من المضاف إليه ، انتهى كلامه .

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم : قوله " يعني سوطه " تفسير للقيد ، غير معروف ، ولهذا جزم بعضهم أنه تصحيف وأن الصواب " قد " بكسر القاف وتشديد الدال ، وهو السوط المتخذ من الجلد ، ثم قال : قلت : ودعوى الوهم في التفسير أسهل من دعوى التصحيف في الأصل ، ولا سيما والقيد بمعنى القاب ، انتهى . قلت : قول من قال : إن من رواه " قيد " بزيادة الياء أي مقداره فقد صحف ، هو الظاهر ، ونفى الكرماني التصحيف بقوله : غاية ما في الباب أن يقال قلبت إحدى الدالين ياء وذلك كثير ، نفيه غير صحيح ، لأن تعليله لدعواه تعليل من ليس له وقوف على علم الصرف ، وذلك أن قلب أحد الحرفين المتماثلين ياء إنما يجوز إذا أمن اللبس ، ولا لبس أشد من الذي يدعى أن فيه قلبا ، فالقيد بالياء بعد القاف هو المقدار ، والقد بالكسر والتشديد هو السوط المتخذ من الجلد ، وبينهما بون عظيم ، وأما قول بعضهم : دعوى الوهم في التفسير إلى آخره ، فغير متجه لأن الأمر بالعكس ، أعني دعوى التصحيف في الأصل أسهل من دعوى الوهم في التفسير ، لأن التفسير مبني على صحة الأصل ، فافهم ، فإن فيه دقة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولو أن امرأة من أهل الجنة " ذكر العلماء أن الحور على أصناف مصنفة ، صغار وكبار ، وعلى ما اشتهت نفس أهل الجنة . وذكر ابن وهب عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : والذي لا إله إلا هو ، لو أن امرأة من الحور أطلعت سوارا لها لأطفأ نور سوارها نور الشمس والقمر ، فكيف المسور ، وإن خلق الله شيئا يلبسه إلا عليه مثل ما عليها من ثياب وحلي . وقال أبو هريرة : إن في الجنة حوراء يقال لها العيناء ، إذا مشت [ ص: 95 ] مشى حولها سبعون ألف وصيفة عن يمينها وعن يسارها كذلك ، وهي تقول أين الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر . وقال ابن عباس : في الجنة حوراء يقال لها العيناء ، لو بزقت في البحر لعذب ماؤه . وقال صلى الله عليه وسلم : " رأيت ليلة الإسراء حوراء جبينها كالهلال في رأسها مائة ضفيرة ما بين الضفيرة والضفيرة سبعون ألف ذؤابة ، والذوائب أضوء من البدر ، وخلخالها مكلل بالدر وصنوف الجواهر ، وعلى جبينها سطران مكتوبان بالدر والجوهر ، في الأول بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي الثاني من أراد مثلي فليعمل بطاعة ربي ، فقال لي جبريل : هذه وأمثالها لأمتك " . وقال ابن مسعود : إن الحوراء ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم ومن تحت سبعين حلة ، كما يرى الشراب في الزجاج الأبيض . وروي أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحور : من أي شيء خلقن ؟ فقال : " من ثلاثة أشياء ; أسفلهن من المسك ، وأوسطهن من العنبر ، وأعلاهن من الكافور ، وحواجبهن سواد خط في نور " . وفي لفظ : " سألت جبريل عليه الصلاة والسلام عن كيفية خلقهن فقال : يخلقهن رب العالمين من قضبان العنبر والزعفران ، مضروبات عليهن الخيام ، أول ما يخلق منهن نهد من مسك أذفر أبيض عليه يلتام البدن " . وقال ابن عباس : خلقت الحوراء من أصابع رجليها إلى ركبتيها من الزعفران ، ومن ركبتيها إلى ثدييها من المسك الأذفر ، ومن ثدييها إلى عنقها من العنبر الأشهب ، وعنقها من الكافور الأبيض ، تلبس سبعون ألف حلة مثل شقائق النعمان ، إذا أقبلت يتلألأ وجهها ساطعا كما تتلألأ الشمس لأهل الدنيا ، وإذا أقبلت ترى كبدها من رقة ثيابها وجلدها ، في رأسها سبعون ألف ذؤابة من المسك لكل ذؤابة منها وصيفة ترفع ذيلها .

                                                                                                                                                                                  وهذه الأحاديث كلها نقلتها من التلويح وما وقفت على أصلها فيه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ريحا " أي عطرا . قوله : " ولنصيفها " بفتح اللام التي هي للتأكيد وفتح النون وكسر الصاد المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره فاء ، وهو الخمار بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية