الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2708 78 - حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهما .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إنه بين فيه سهام الفرس بقوله جعل للفرس سهمين ، وفي الحقيقة أيضا السهمان لصاحب الفرس ، ولكن لما كانا له بسبب الفرس ، ومن جهته أضيفا إليه ، واللام فيه للتعليل .

                                                                                                                                                                                  وعبيد مصغر عبد ضد الحر ابن إسماعيل ، واسمه في الأصل عبد الله يكنى أبا محمد الهباري القرشي الكوفي ، وهو من أفراده ، وأبو أسامة حماد بن أسامة ، وعبيد الله بن عمر العمري .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولصاحبه سهما " أي : جعل لصاحب الفرس سهما غير سهمي الفرس فيصير للفارس ثلاثة أسهم ، وقد فسره نافع كذلك ، ولفظه : إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم ، فإن لم يكن معه فرس فله سهم ، وسيأتي هذا في غزوة خيبر إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                  وفي الباب أحاديث نحو حديث الباب ، فروى أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل قال : أخبرنا أبو معاوية حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسهم لرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهما له وسهمين لفرسه ، وقال أبو داود أيضا : حدثنا أحمد بن حنبل قال : حدثنا عبد الله بن يزيد قال : حدثني المسعودي قال : حدثني أبو عمرة عن أبيه قال : أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين .

                                                                                                                                                                                  وروى النسائي من حديث يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده قال : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر للزبير أربعة أسهم : سهم للزبير ، وسهم لذي القربى لصفية بنت عبد المطلب أم الزبير ، وسهمين للفرس ، وروى أحمد من حديث مالك بن أوس عن عمر وطلحة بن عبيد الله والزبير - رضي الله تعالى عنهم - قالوا : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسهم للفرس سهمين .

                                                                                                                                                                                  وروى الدارقطني من حديث أبي رهم قال : غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم ، أربعة لفرسينا وسهمين لنا ، وروى أيضا من حديث أبي كبشة الأنماري قال : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما ، فمن أنقصهما أنقصه الله عز وجل" ، وروى أيضا من حديث ضباعة بنت الزبير عن المقداد قال : أسهم لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر سهما ولفرسي سهمين ، وروى أيضا من حديث عطاء عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم لكل فرس بخيبر سهمين سهمين ، وروى أيضا من حديث هشام بن عروة عن أبي صالح عن جابر قال : شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزاة ، فأعطى الفارس منا ثلاثة أسهم ، وأعطى الراجل سهما ، وروى أيضا من حديث الواقدي : حدثنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده أنه شهد حنينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأسهم لفرسه سهمين وله سهما ، وقال محمد بن عمرو : حدثنا أبو بكر بن يحيى بن النضر عن أبيه أنه سمع أبا هريرة يقول : أسهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للفرس سهمين ولصاحبه سهما .

                                                                                                                                                                                  واحتج بهذه الأحاديث جمهور العلماء إن سهام الفارس ثلاثة ، سهمان لفرسه ، وسهم له ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو حنيفة : لا يسهم للفارس إلا سهم واحد ولفرسه سهم ، واحتج في ذلك بما رواه الطبراني في ( معجمه ) : حدثنا حجاج بن عمران السدوسي ، حدثنا سليمان بن داود الشاذكوني ، حدثنا [ ص: 155 ] محمد بن عمر الواقدي ، حدثنا موسى بن يعقوب الربعي عن عمته قريبة بنت عبد الله بن وهب عن أمها كريمة بنت المقداد بن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب عن المقداد بن عمرو أنه كان يوم بدر على فرس يقال له : سبحة ، فأسهم له النبي - صلى الله عليه وسلم - سهمين ، لفرسه سهم واحد ، وله سهم ، وبما رواه الواقدي أيضا في المغازي : حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن جعفر بن خارجة قال : قال الزبير بن العوام: شهدت بني قريظة فارسا ، فضرب لي بسهم ، ولفرسي بسهم .

                                                                                                                                                                                  وبما رواه ابن مردويه في ( تفسيره ) في سورة الأنفال من حديث عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : أساب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - سبايا بني المصطلق ، فأخرج الخمس منها ، ثم قسم بين المسلمين ، فأعطى الفارس سهمين ، والراجل سهما .

                                                                                                                                                                                  وبما رواه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) : حدثنا أبو أسامة وابن نمير قالا : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - جعل للفارس سهمين ، وللراجل سهما .

                                                                                                                                                                                  وبما رواه الدارقطني في أول كتابه ( المؤتلف والمختلف ) من حديث عبد الرحمن بن أمين عن ابن عمر أن النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان يقسم للفارس سهمين وللراجل سهما .

                                                                                                                                                                                  وفي ( التوضيح ) خالف أبو حنيفة عامة العلماء قديما وحديثا ، وقال : لا يسهم للفارس إلا سهم واحد ، وقال : أكره أن أفضل بهيمة على مسلم ، وخالفه أصحابه فبقي وحده ، وقال ابن سحنون : انفرد أبو حنيفة بذلك دون فقهاء الأمصار . قلت : لم ينفرد أبو حنيفة بذلك ; بل جاء مثل ذلك عن عمر وعلي وأبي موسى - رضي الله تعالى عنهم - .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : الواقدي فيه مقال . قلت : ما للواقدي ؟ فقد قال إبراهيم الحربي : سمعت مصعبا الزبيري وسئل عن الواقدي ، فقال : ثقة مأمون ، وكذلك قال المسيبي حين سئل عنه ، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : الواقدي ثقة ، وعن الداودي قال : الواقدي أمير المؤمنين في الحديث .

                                                                                                                                                                                  ولئن سلمنا أن فيه مقالا ففي أكثر أحاديث هؤلاء أيضا مقال ، فحديث أبي داود الذي رواه عن أحمد فيه المسعودي فيه مقال ، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود ، وحديث أبي رهم فيه قيس بن الربيع ، قال في ( التنقيح ) : ضعفه بعض الأئمة ، وأبو رهم مختلف في صحبته ، وحديث أبي كبشة الأنماري فيه محمد بن عمران العبسي قال النسائي : ليس بالقوي ، وفيه عبد الله بن بشر ، قال النسائي : ليس بثقة ، وقال يحيى القطان : لا شيء ، وقال أبو حاتم والدارقطني : ضعيف ، وحديث مقداد فيه موسى بن يعقوب عن عمته قريبة، فيه لين وتفرد به عنها .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : حديث الباب وما روي من ( الصحاح ) مثله حجة عليه . قلت : لا ; لأن ظاهر قوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء يقتضي المساواة بين الفارس والراجل ، وهو خطاب لجميع الغانمين ، وقد شملهم هذا الاسم ، وحديث الباب ونحوه محمول على وجه التنفيل .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية