الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2657 27 - حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : أخبرنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا خالد ، عن عكرمة أن ابن عباس ، قال له ولعلي بن عبد الله : ائتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه . فأتيناه وهو وأخوه في حائط لهما يسقيان ، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس ، فقال : كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة ، وكان عمار ينقل لبنتين ، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار ، وقال : ويح عمار ، تقتله الفئة الباغية ، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله : " ومسح عن رأسه الغبار " ، وإبراهيم بن موسى بن يزيد ، أبو إسحاق الرازي ، يعرف بالصغير ، وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وخالد هو الحذاء . والحديث قد مر في كتاب الصلاة في باب التعاون في بناء المسجد .

                                                                                                                                                                                  قوله : " وهو وأخوه " ، قال الحافظ الدمياطي : لم يكن لأبي سعيد أخ بالنسب إلا قتادة بن النعمان الظفري ، فإنه كان أخاه لأمه ، وقتادة مات زمن عمر رضي الله تعالى عنه ، وكان عمر أبي سعيد أيام بناء المسجد عشر سنين أو دونها . وقال الكرماني : إن صح ذلك ، فالمراد به أخوه من الرضاعة ، ولا أقل من أخ في الإسلام إنما المؤمنون إخوة قلت : بنى جوابه هذا على قوله : " إن صح ذلك " ولم يصح ذلك فلا يصح الجواب . قوله : " فاحتبى " يقال : احتبى الرجل : إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته ، وقد يحتبي بيده . قوله : " عن رأسه " ويروى " على رأسه " وهو متعلق بالغبار ، أي : الغبار الذي على رأسه . قوله : " ويح " كلمة رحمة ، منصوب بإضمار فعل . قوله : " يدعوهم إلى الله " ، قال ابن بطال : يريد - والله أعلم - أهل مكة ، الذين أخرجوا عمارا من دياره وعذبوه في ذات الله . قال : ولا يمكن أن يتأول ذلك على المسلمين لأنهم أجابوا دعوة الله عز وجل ، وإنما يدعى إلى الله من [ ص: 110 ] كان خارجا عن الإسلام . قوله : " ويدعونه إلى النار " تأكيد للأول ، لأن المشركين إذ ذاك طالبوه بالرجوع عن دينه . قال : فإن قيل فتنة عمار كانت في أول الإسلام ، وهنا قال صلى الله عليه وسلم : " يدعوهم " بلفظ المستقبل ، وما قبله لفظ الماضي . قيل له : العرب تخبر بالفعل المستقبل عن الماضي إذا عرف المعنى ، كما تخبر بالماضي عن المستقبل ، فمعنى " يدعوهم " : دعاهم إلى الله ، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى ذكر هذا لما تطابقت شدته في نقله لبنتين شدته في صبره بمكة على العذاب ، تنبيها على فضيلته وثباته في أمر الله تعالى . وقال الكرماني : " ويدعوهم " أي : في الزمان المستقبل ، وقد وقع ذلك يوم صفين معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث دعا الفئة الباغية إلى الحق ، وكانوا يدعونه إلى الباطل البغي ، انتهى . قلت : ظاهر الكلام يساعد الكرماني ، ولكن ابن بطال تأدب حيث لم يتعرض إلى ذكر صفين ، إبعادا لأهلها عن نسبة البغي إليهم ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية