الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر توجيه القولين ، فإذا قيل : إنه يجري مجرى الوصايا صح رجوعه في التدبير مع بقائه على ملكه ، كما يصح الرجوع فيه بإخراجه لكل قول صريح في الرجوع مثل قوله : قد رجعت في تدبيرك ، أو نقضته ، أو أبطلته ، أو رفعته ، أو فسخته ، أو أزلته ، فإن لم يصرح به وأشار إليه ، فالإشارة كناية لا تقوم مقام الصريح في الرجوع ، ولو عرض للبيع فهل يكون كالتصريح في الرجوع على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون رجوعا صريحا في تدبيره ؛ لأنه شروع في إخراجه من ملكه ، فكان أقوى من التصريح ببقائه على ملكه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يكون رجوعا صريحا وتدبيره بعد الغرض باق ما لم يبعه ؛ لأن عقده يحتمل أن يريد به معرفة قيمته فلم يصر بهذا الاحتمال رجوعا صريحا في تدبيره . وإذا قيل إن التدبير يجري مجرى العتق بالصفات ، صح الرجوع فيه بإخراجه عن ملكه .

                                                                                                                                            فأما رجوعه فيه بالقول فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون القول غير مقتض لإخراجه عن ملكه . كالألفاظ المقدمة من صريح ، أو كناية ، فلا يصح به الرجوع في تدبيره .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون القول غير مخرج له عن ملكه في الحال ويفضي إلى إخراجه عن ملكه في ثاني حالة ، وهو أن يجعله عوضا في جعالة ، أو يتلفظ بهبته من غير قبض ، ففي كونه رجوعا في تدبيره وجهان مضيا .

                                                                                                                                            ولو وقفه بعد التدبير ، كان رجوعا في تدبيره ؛ لأنه قد أخرجه بالوقف عن ملكه ، ولو رهنه بعد تدبيره كان في صحة رهنه ثلاثة أقاويل :

                                                                                                                                            أحدها : رهنه باطل على القولين معا .

                                                                                                                                            والثاني : جائز على القولين معا .

                                                                                                                                            والثالث : جائز إن قيل إنه يجري مجرى الوصايا ، وباطل إن قيل إنه يجري مجرى العتق بالصفات فإن قيل : يجوز رهنه بطل تدبيره إن أجري مجرى الوصايا ، وفي بطلانه إن أجري مجرى العتق بالصفات وجهان ؛ لأن الرهن مفض إلى بيعه ، وإن قيل [ ص: 115 ] بفساد رهنه ، لم يبطل تدبيره إن أجري مجرى العتق بالصفات . وفي بطلانه إن أجري مجرى الوصايا وجهان ؛ لأنه تعريض لبيعه ، ويجوز إذا دبر جميع عبده أن يرجع في تدبير بعضه ، فيكون ما رجع منه مرقوقا ، وما لم يرجع فيه مدبرا . وقيل : لا يجوز الرجوع في تدبير بعضه ، إذا قيل إن تدبير بعضه يكون ساريا إلى جميعه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية