الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : ( وله تعجيل الكتابة قبل الجناية وقبل الدين الحال ما لم يقف الحاكم لهم ماله كالحر فيما عليه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال ، إذا اجتمعت على المكاتب حقوق طولب بها من كتابة تتعلق بذمته ، وأرش جنايته يتعلق برقبته ، وديون معاملة تتعلق بذمته ، وبما في [ ص: 268 ] يده ، وبيده مال هو على تصرفه فيه ، فله فيما حل منه أن يبدأ بقضاء أي الحقوق شاء ، فإن أرش الجناية لا يثبت إلا حالا ، ومال الكتابة لا يثبت إلا مؤجلا ، والدين قد يثبت حالا ومؤجلا ، فإن حلت الكتابة كان الدين حالا ، واجتمعا مع أرش الجناية ، فصار الجميع من الأموال الحالة عليه ، فله في أرش الجناية أن يفدي نفسه بها ، وإن كانت أضعاف قيمته ما كان باقيا على كتابته لما فيها من استصلاح نفسه ، وحفظ كتابته ، وإن لم يكن له افتداء عبده إلا بقدر قيمته ، لأن بيع عبده في الجناية لا يؤثر في كتابته ، فلذلك ما افترقا ، وإذا كان كذلك ، واجتمعت عليه هذه الحقوق الثلاثة : مال الكتابة وديون المعاملة وأروش الجناية ، وبيده مال وجميع الحقوق حالة فله أن يقدم قضاء ما شاء منها إذا كان ما بيده متسعا لجميعها ، وليس يتصور مع اتساع المال أن يعجز عن بعضها ، فإن ضاق المال عن جميعها فله ما لم يحجر الحاكم عليه بالفلس أن يبدأ بقضاء أي الثلاثة شاء ، فإن قدم الدين فلا اعتراض فيه لسيده ، ولا لمستحق جنايته ، وإن قدم أرش الجناية فلا اعتراض فيه لسيده ولا لمستحق الدين ، وإن قدم مال الكتابة فلا اعتراض فيه لصاحب الجناية ، ولا لصاحب الدين ، سواء عتق بالأداء أو لم يعتق ، لجواز تصرفه وصحة أدائه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية