الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإذا أعتق شركا له في مرضه الذي مات فيه عتقا بتاتا ثم مات كان في ثلثه كالصحيح في كل ماله ) .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وأصل هذا أن العتق في المرض المخوف الذي يتعقبه الموت معتبر في ثلث المعتق ، فإن احتمله الثلث تحرر العتق ، ونفذ ، وإن عجز عن الثلث رد ، وعاد المعتق رقيقا ، وهو قول جمهور الأئمة وحكي عن مسروق أنه من رأس المال وأصل التركة لصدقات الزوجات ، وما يصرفه في النفقات والشهوات وهذا خطأ خالف به من سواه .

                                                                                                                                            [ ص: 32 ] والنص الوارد فيه برواية عمران بن الحصين أن رجلا أعتق ستة أعبد له عند موته ، وليس له مال غيرهم ، فبلغ ذلك رسول الله فدعاهم ، وجزأهم ثلاثة أجزاء ، فأعتق اثنين وأرق أربعة ، وهذا نص يدفع كل خلاف .

                                                                                                                                            فإذا أعتق المريض شركا له في عبد كان عتقه معتبرا من ثلث ماله ، كما يكون عتق الصحيح من كل ماله ، ويسري عتقه إلى حصة شريكه إذا احتملها الثلث ، كما يسري عتق الصحيح إذا احتمله كل ماله . وإذا كان كذلك لم يخل حال الثلث من خمسة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يتسع الثلث لعتق المباشرة وعتق السراية ، فينفذ العتق في جميعه بالمباشرة ثم بالسراية ، ويؤخذ من ثلثه قيمة حصة الشريك ، ويكون له جميع ولائه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعجز الثلث عن عتق المباشرة ، وعتق السراية لاستحقاق تركته في دينه ، ويرد عتقه في جميعه بالمباشرة وبالسراية ، ويعود إلى الرق ، ويباع في الدين .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يتسع الثلث لأحد المعتقين ، ويعجز عن الآخر ، فيجعل الثلث مصروفا في عتق المباشرة دون عتق السراية ؛ لأن عتق المباشرة أصل وعتق السراية فرع كعتق المعسر .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يتسع الثلث لأحدهما ، وبعض الآخر ، فيكمل عتق المباشرة ويجعل النقص في عتق السراية كعتق من أيسر ببعض حصة شريكه .

                                                                                                                                            والقسم الخامس : أن يتسع الثلث لبعض أحدهما ، ويعجز عن الباقي ، فيجعل البعض نافذا في عتق المباشرة ويرد الباقي في عتق المباشرة ، ويبطل عتق السراية ، فلو قال الورثة : نحن نمضي عتق المباشرة ونغرم عتق السراية كان لهم تكميل العتق في المباشرة ، ولم يكن لهم تجاوزه إلى عتق السراية ؛ لأن المعتق معسر به ، وهو لو أراد ذلك في جناية منع ، فكان ورثته بالمنع أحق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية