الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن للسيد أن يجبر على أخذه فلا يخلو حاله فيه من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            إما أن يأخذه وإما أن يبرئه ، وإما أن يمتنع من الأخذ والإبراء .

                                                                                                                                            فإن أخذ منه المال برئ المكاتب منه ، فإن كان من آخر نجومه عتق به ، وإن كان من تضاعيفها كان عتقه معلقا بأداء ما بقي ، فإذا صار المال في يد السيد نظر فيما ادعاه من تحريمه ، فإن لم يسم مستحقه كان مقرا في يده على مستحقه ، ولا يجعل ملكا له ، وإن لم ينزع من يده .

                                                                                                                                            وإن سمى مستحقه فقال : هو مغصوب من زيد لزمه بعد أخذه أن يرده على زيد ، لاعترافه له بما صار في يده ، ولأنه سمى فصار كرجل أقر بدار في يد أبيه أنها غصب ، ثم مات أبوه فصارت الدار إليه ، لزمه ردها على من اعترف بغصبها منه .

                                                                                                                                            فإن قيل : أفليس لو رهن رجل عبدا فادعيت على العبد جناية صدق عليها [ ص: 184 ] المرتهن وكذب الراهن ، فأحلف الراهن عليها وبيع العبد ، ثم دفع ثمنه إلى المرتهن لم يلزمه دفعه إلى من صدقه على دعوى الجناية ، فهلا كان في سيد المكاتب كذلك . قيل : لأن حق المغصوب منه يتعين في مال الكتابة فلزم السيد رده عليه ولا يتعين في ثمن العبد الجاني ، فلم يلزم المرتهن رده عليه .

                                                                                                                                            وإن لم يقبض السيد ذلك ، ولكن أبرأ منه جاز أن يكون السيد شاهدا على مكاتبة بعضه ، ولو لم يبرئه لم تجز شهادته عليه ، لأنه يدفع بها قبل الإبراء ضررا ، ولا يدفع بها بعده ضررا ، وتجوز هذه الشهادة ، إذا سمي المغصوب منه ، ولا تجوز إن لم يسمه ، ولا يمنع المكاتب من التصرف فيه إذا لم تجز الشهادة ، وإن لم يقبض السيد ذلك منه ولا أبرأه فللمكاتب أن يستعدي الحاكم على سيده حتى يأمره بأحد الأمرين من قبض أو إبراء . فإن أقام على امتناعه ناب الحاكم عنه في القبض دون الإبراء ، لأن الإبراء إسقاط والقبض استيفاء ، فإذا قبضه الحاكم نظر فإن كان السيد قد سمى المغصوب منه سلمه الحاكم إليه إذا طالبه به ، وإن لم يسمه استبقاه الحاكم في يده ، أو في يد أمين من أمنائه ، فإن جاء مدعيه ببينته أقامها على غصبه منه ، أو على أنه ملك له سلمه إليه .

                                                                                                                                            وإن جاء السيد مطالبا بإقراره في يده ، لم يدفعه الحاكم إليه لأنه لو كان في قبضته لم ينتزعه منه إلا مالك ، وإذا صار في يد الحاكم لم يدفعه إلا إلى مالك ، وقد أقر أنه لا ملك له فيه فأخذ بإقراره في حق نفسه ، وإن لم يؤخذ به في حق غيره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية