الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا أعتق في مرضه عبدا قيمته مائة درهم لا مال له غيره ، ومات العبد في حياة سيده ففي عتقه ونفوذه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي العباس بن سريج أنه قد نفذ عتقه في جميعه ، ويموت حرا قد جد ولاء ولده ، وموروثا ينتقل كسبه إلى ورثته ، وإن لم يخرج من ثلث سيده ؛ لأنه مات قبل حقوق الورثة ، فلم تجز فيه المواريث ، وصار كعتق الصحيح .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن عتقه قد بطل ، ويموت عبدا ، وينتقل كسبه إلى سيده بالملك ، ولا يجر ولاء ولده ؛ لأن عتقه في المرض وصية تبطل بموت الموصى له قبل موت الموصي .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، والمعمول عليه من قوله : أن موته لا يرفع حكم العتق في حقه ويرفع عنه حكم الرق في حق ورثته ، وعتقه ليس بوصية له إن جرى في اعتباره من الثلث مجرى الوصية ؛ لأنه لا يراعى فيه قبوله ، ولا يؤثر فيه رده ، وعلى هذا تختلف أحكامه باختلاف أحواله ، فإن مات عن غير كسب كان ثلثه حرا ، وثلثاه مملوكا ، يجر بثلثه ثلث ولاء ولده ، وإن مات عن كسب فله حالتان : إحداهما : ألا يكون له وارث غير سيده ، فينظر في قدر كسبه ، فإن كان مائتي درهم ورثها السيد ، وعتق جميعه ؛ لأنه قد صار إلى التركة مثلا قيمته ، وإن كان كسبه مائة درهم مات نصفه حرا ونصفه مملوكا ، وكانت المائة للسيد نصفها بحق الولاء ، ونصفها بحق الملك ، وهي مثلا قيمة نصفه .

                                                                                                                                            والحالة الثانية : أن يكون له وارث غير سيده ، فإن قيل بمذهب الشافعي في [ ص: 54 ] القديم أن المعتق بعضه إذا مات لم يورث ، وكان ماله لسيده ، كان حكمه على ما مضى إذا لم يخلف وارثا غير سيده .

                                                                                                                                            وإن قيل : بمذهبه في الجديد أنه يكون موروثا دخل الدور في عتقه بقدر كسبه ، فإن كان كسبه مائتي درهم عتق نصفه ، ورق نصفه .

                                                                                                                                            وبابه في حسابه أن يجعل له برقبته سهما لعتقه ، وبكسبه سهمين لورثته ؛ لأن الكسب ضعف قيمته ، ويجعل لورثة سيده سهمين ضعف قيمته ، وجمع سهم ورثته وسهمي ورثة سيده ، وهي أربعة ، ولا تجمع إليها سهم الرقبة لتلفها ثم أقسم الكسب عليها ، وهو مائتان يخرج قسط السهم خمسين درهما ، فيعتق منه بقدرها ، وهو نصفه يملك وارثه به نصف كسبه ويملك ورثة سيده نصف كسبه ، ويرق نصفه ، وهو مثلا ما أعتق من نصفه .

                                                                                                                                            ولو كان كسب مائة درهم عتق ثلثه ، وبابه أن جعل له برقبته سهما لعتقه وبكسبه سهما لورثته ، ولورثة سيده سهمين ، وتجمع بين سهم ورثته وسهمي ورثة سيده ، وهي ثلاثة ، وتقسم ذلك عليها ، وهو مائة يخرج قسط السهم ثلاثة وثلاثين درهما وثلثا ، فيعتق منه بقدرها ، وهو ثلثه يملك ورثته به ثلث كسبه ، ويملك ورثة سيده ثلثي كسبه برق ثلثيه ، وهو مثلا ما عتق من ثلثه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية