الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن كان الجاحد للتدبير ورثة السيد فهذا اختلاف في حريته ورقه ، فتسمع دعواه على الأحوال كلها سواء جعل الجحود رجوعا في حق السيد ، أو لم يجعل ؛ لأن الرجوع في التدبير بعد الموت باطل . فإن كان للعبد بينة سمعت على التدبير لا على العتق ؛ لأن عتق التدبير حكم والبينة تسمع على ما أوجب الحكم لا على الحكم ، وإن عدم العبد البينة أحلف الورثة ، وكان واجبا عليه أن يحلفهم ، لئلا يسترق بعد عتق فإن حلف الورثة كانت يمينهم على العلم دون البت لأنها يمين نفي لفعل غيرهم ، وكانوا [ ص: 125 ] في أيمانهم مخيرين بين أن يحلفوا على نفي التدبير ، وبين أن يحلفوا على نفي العتق بخلاف البينة التي لا تسمع إلا على التدبير دون العتق ؛ لأن البينة تؤدي ما تضمنت ، وهو العقد ، واليمين فيما تضمنته الدعوى ، وهو كل واحد من العقد والعتق ، فصار جحود العتق جحودا للعقد ، وجحود العقد جحودا للعتق ، فلذلك كان الورثة في اليمين مخيرين في نفي أحدهما أيهما أرادوا ، فإن حلفوا على نفي التدبير حلفوا والله لا نعلم أنه دبرك ، ولا يلزم أن يقولوا في اليمين ، وإنك لباق على الرق ؛ لأن نفي التدبير يوجب بقاءه على الرق بأصل الملك .

                                                                                                                                            وإن حلفوا على نفي العتق حلفوا : " والله لا نعلم أنك عتقت " وهل يلزمهم أن يقولوا في هذه اليمين ، وإنك لباق على الرق فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يلزم كما لا يلزم إذا حلفوا على نفي التدبير .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يلزم أن يقولوا هذا في نفي العتق ، وإن لم يلزم أن يقولوه في نفي التدبير .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أن التدبير صريح الدعوى فجاز الاقتصار على نفيه ، والعتق حكم الدعوى في حق العبد ، والرق حكم الإنكار في حق الورثة ، فلزم الجمع بين الأمرين نفيا وإثباتا . فإن حلفوا على ما وصفناه كان العبد على رقه موروثا ، وإن نكلوا ردت اليمين على العبد فإن حلف عتق بالتدبير ، وإن نكل كان على رقه موروثا ، ويجب عليه أن يحلف إذا علم أنه فيما ادعاه صادق ، وإن لم يؤخذ بها جبرا ليفك رقبته من رق بعد عتق . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية